وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ، ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ، ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ هذه الجملة إما مسوقة لبيان علة تعليم الله له بالوحي والإلهام، أي خصني بذلك لترك الكفر، وسلوك طريق آبائي المرسلين، أو كلام مستأنف، ذكر تمهيدا للدعوة، وإظهار أنه من بيت النبوة، لتقوى رغبتهما في الاستماع إليه، والوثوق به، والمراد بتركه ملة الكفر الامتناع عنها رأسا، كما يفصح عنه قوله: ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ أي ما صح ولا استقام ذلك لنا، فضلا عن الوقوع. وإنما عبر عنه بذلك، لكونه أدخل بحساب الظاهر في اقتدائهما به عليه السلام. والتخصيص بهم، مع أن الشرك لا يصح من غيرهم أيضا، لأنه يثبت بالطريق الأولى. أو المرد نفي الوقوع منهم لعصمتهم.
وتكرير (هم) للدلالة على اختصاصهم، وتأكيد كفرهم بالآخرة. وزيادة (من) في المفعول، أعني مِنْ شَيْءٍ لتأكيد العموم، أي لا نشرك به شيئا من الأشياء، قليلا أو حقيرا، صنما أو ملكا أو جنيا أو غير ذلك.
وقوله: ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ يعني عدم الإشراك بالله، وهو التوحيد، من نعم الله العامة، التي يجب شكره تعالى على الهداية لها بالفطر السليمة، ونصب الدلائل الأنفسية والآفاقية.
ثم بين أن أكثر الناس نبذوا هذه النعمة بعد ما حق عليهم شكرها.
ولما ذكر، عليه السلام، ما هو عليه من الدين القويم، تلطف في الاستدلال على بطلان ما عليه قومهما من عبادة الأصنام، فضرب لهما مثلا يتضح به الحق حق اتضاح بقوله:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة يوسف (١٢) : آية ٣٩]]