جملة أمم قد مضت مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ يعني كفار الأمم الماضية من النوعين فِي النَّارِ متعلق ب ادْخُلُوا كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ أي في النار لَعَنَتْ أُخْتَها أي التي قبلها لضلالها بها، كما قال الخليل عليه الصلاة والسلام: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ ... [العنكبوت: ٢٥] الآية- إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً أي تداركوا، بمعنى تلاحقوا واجتمعوا في النار قالَتْ أُخْراهُمْ وهم الأتباع لِأُولاهُمْ أي: لأجل أولاهم، إذ الخطاب مع الله سبحانه، لا معهم. قال ابن كثير: أي قالت أخراهم دخولا وهم الأتباع، لأولادهم وهم المتبعون، لأنهم أشد جرما من أتباعهم، فدخلوا قبلهم، فيشكوهم الأتباع إلى الله يوم القيامة، لأنهم هم الذين أضلوهم عن سواء السبيل، فيقولون: رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا أي سنّوا لنا الضلال، ودعوا إليه، فاقتدينا بهم فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ أي مضاعفا لأنه ضلوا وأضلوا قالَ أي تعالى: لِكُلٍّ ضِعْفٌ أي عذاب مضاعف. أما القادة والرؤساء فبالضلال والإضلال. وأما الأتباع والسفلة، فبالضلال وتقليد أهل الضلال، مع وجود الهادين بالبراهين القاطعة وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ أي ما لكم، أو ما لكل فرقة. وقرئ بالياء. وعليها، فهو تذييل لم يقصد إدراجه في الجواب.
وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ أي لا فضل لكم علينا في ترك الكفر والضلال حتى يكون عذابنا مضاعفا دونكم، فقد ضللتم كما ضللنا، فنحن وإياكم متساوون في الضلال واستحقاق العذاب. وقوله تعالى: فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ من قول القادة، أو من قول الله تعالى للفريقين، وهو أظهر.
[تنبيه:]
قال الجشمي: تدل الآية على أن الكفار والضلال والمبتدعة، وإن تناصروا وتعاونوا على ضلالتهم، وتوادّوا في الدنيا، فإنهم في الآخرة يتلاعنون ويتقاطعون ويسألون العذاب لمن أضلهم. وتدل على فساد التقليد، والاغترار بقول علماء السوء. وتدل على أن الداعي إلى الضلال مضلّ. وتدل على أن إضلال غيره إياه ليس بعذر له. وتدل على أن اشتراكهم في العذاب لا يوجب لهم راحة، بخلاف الاشتراك