الرسل، بمعنى الكتب وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً أي: خرج عن الهدى وبعد عن القصد كل البعد. ما الكفر بالله فظاهر.
وأما بالملائكة فلأنهم المقربون إليه. وأما بالكتب فلأنها الهادية إليه. وأما بالرسل فلأنهم الداعون إليه. وأما باليوم الآخر فلأن فيه نفع إقامته وضرر تركه. فإذا أنكر لزم إنكار النفع الحقيقيّ والضرر الحقيقيّ فهو الضلال البعيد. ثم الكفر بالملائكة كفر بمظاهر باطنة. وبالكتب كفر بمظاهر صفة كلامه. وبالرسل كفر بأتم مظاهره. وباليوم الآخر كفر بدوام ربوبيته وعدله. ثم الكفر بالملائكة يدعو إلى الإيمان بالشياطين.
وبكتب الله إلى الإيمان بكتب الكفرة. وبالرسل إلى تقليد الآباء، وباليوم الآخر إلى الاجتراء على القبائح. وكل ذلك ضلال بعيد. أفاده المهايميّ. ولما أمر تعالى بالإيمان ورغب فيه، بيّن فساد طريقة من يكفر بعد الإيمان، فقال:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٣٧]]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا في الآية وجوه: الأول- أن المراد الذين تكرر منهم الارتداد، وعهد منهم ازدياد الكفر والإصرار عليه، يستبعد منهم أن يحدثوا ما يستحقون به المغفرة ويستوجبون اللطف، من إيمان صحيح ثابت يرضاه الله. لأن قول أولئك، الذين هذا ديدنهم، قلوب قد ضريت بالكفر ومرنت على الردّة. وكان الإيمان أهون شيء عندهم وأدونه حيث يبدو لهم فيه كرة بعد أخرى. وليس المعنى أنهم لو أخلصوا الإيمان بعد تكرار الردة، ونصحت توبتهم، لم يقبل منهم ولم يغفر لهم. لأن ذلك مقبول. حيث هو بذل للطاقة واستفراغ الوسع. ولكنه استبعاد له واستغراب. وإنه أمر لا يكاد يكون. وهكذا نرى الفاسق الذي يتوب ثم يرجع، ثم يتوب ثم يرجع، فإنه لا يكاد يرجى منه الثبات. والغالب أنه يموت على الفسق. فكذا هنا. الثاني- قال بعضهم: هم اليهود. آمنوا بالتوراة وبموسى ثم كفروا حين عبدوا العجل. ثم آمنوا بعد عوده إليهم ثم كفروا بعيسى والإنجيل. ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى الله عليه وسلم. وقد أورد على هذا الوجه أن الذين ازدادوا كفرا بمحمد صلى الله عليه وسلم ليسوا مؤمنين بموسى. ثم كافرين بالعجل، ثم مؤمنين بالعود، ثم كافرين بعيسى. بل هم إما مؤمنون بموسى وغيره، أو كفار لكفرهم بعيسى والإنجيل. والجواب: أن هذا إنما يرد لو أريد قوم بأعيانهم: