للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاستماع إليه. كأنه قال: لا اختصام مسموع عندي. وقد ثبت وصح تقديم الوعيد، حيث أمكن انتفاعكم به، لسلامة الآلات، وبقاء الاستعداد، فلم تنتفعوا به، ولم ترفعوا لذلك رأسا، حتى ترسخت الهيئات المظلمة في نفوسكم، ورانت على قلوبكم، وتحقق الحجاب، وحق القول بالعذاب. انتهى.

وعن ابن عباس: أنهم اعتذروا بغير عذر، فأبطل الله حجتهم، ورد عليهم قولهم.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ٢٩]]

ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩)

ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ قال ابن جرير: ما يغير القول الذي قلته لكم في الدنيا وهو قوله: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، ولا قضائي الذي قضيته فيهم فيها.

وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ أي فلا أعذب أحدا بذنب غيره، ولكن بذنبه بعد قيام الحجة عليه.

وقال القاشاني: وَما أَنَا بِظَلَّامٍ حيث وهبت الاستعداد، وأنبأت على الكمال المناسب له وهديتكم إلى طريق اكتسابه، بل أنتم الظلامون أنفسكم باكتساب ما ينافيه، وإضاعة الاستعداد بوضع النور في الظلمة، واستبدال ما يفنى بما يبقى.

[تنبيهات:]

الأول- ظاهر الآيات أن هذا التقاول على حقيقته، إذ لا مانع منها. وذهب بعض المفسرين إلى أنها مجاز.

قال القاشانيّ: هذه المقاولات كلها معنوية، مثلت على سبيل التخييل والتصوير، لاستحكام المعنى في القلب، عند ارتسام مثاله في الخيال. فادعاء الكافر الإطغاء على الشيطان. وإنكار الشيطان إياه، عبارة عن التنازع والتجاذب الواقع بين قوتيه: الوهمية والعقلية، بل بين كل اثنتين متضادتين من قواه: كالغضبية والشهوية مثلا. ولهذا قال: لا تَخْتَصِمُوا ولما كان الأمران في وجوده هما العقلية والوهمية، كان أصل التخاصم بينهما. وكذا يقع التخاصم بين كل متحاورين متخاوضين في أمر، لتوقع نفع أو لذة، يتوقفان ما دام مطلوبهما حاصلا، فإذا حرما أوقعا بسعيهما في خسران وعذاب، تدارءا، أو نسب كل منهما التسبب في ذلك إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>