للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتولوا وهم يبكون، وعزّ عليهم أن يجلسوا عن الجهاد، ولا يجدون نفقة ولا محملا، فلما رأى الله حرصهم على محبته ومحبة رسوله، أنزل عذرهم في كتابه، فقال: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ..

وروى الإمام أحمد «١» عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لقد خلفتم بالمدينة رجالا، ما قطعتم واديا، ولا سلكتم طريقا، إلا أشركوكم في الأجر، حبسهم المرض- ورواه مسلم «٢» .

ثم رد تعالى الملامة على المستأذنين في القعود وهم أغنياء، بقوله:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة التوبة (٩) : آية ٩٣]]

إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٩٣)

إِنَّمَا السَّبِيلُ أي بالعتاب والعقاب عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ أي قادرون على تحصيل الأهبة رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ أي من النساء والصبيان وسائر أصناف العاجزين. أي رضوا بالدناءة والضعة والانتظام في جملة الخوالف.

قال المهايمي: وهذا الرضا، كما هو سبب العتاب، فهو أيضا سبب العقاب، لأنه لما كان عن قلة مبالاتهم بالله، غضب الله عليهم وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أي ما يترتب عليه من المصائب الدينية والدنيوية، أو لا يعلمون أمر الله فلا يصدقون.

[لطيفة:]

قال الشهاب: اعلم أن قولهم (لا سبيل عليه) معناه: لا حرج ولا عتاب، وأنه بمعنى لا عاتب يمر عليه، فضلا عن العتاب، وإذا تعدى ب (إلى) كقوله:

ألا ليت شعري هل إلى أمّ سالم ... سبيل؟ فأمّا الصبر عنها فلا صبر

فبمعنى الوصول كما قال:

هل من سبيل إلى خمر فأشربها ... أم من سبيل إلى نصر بن حجّاج


(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٣/ ٣٠٠.
(٢) أخرجه مسلم في: الإمارة، حديث رقم ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>