للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعوائدهم، بإلانة الجانب في التبليغ، والمسامحة في الإنذار والتمهل في الصدع بالحق وَدَعْ أَذاهُمْ أي إيصال الضرر إليهم، مجازاة لفعلهم. بل اعف واصفح. أو معناه: دع ما يؤذونك به بسبب صدعك إياهم. فالمصدر مضاف إلى الفاعل على الأول، وإلى المفعول على الثاني وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا أي موكولا إليه، وكفيلا فيما وعدك من النصر، ودحر ذوي الكفر يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ أي تزوجتموهن ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ أي تجامعوهن فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها أي تستوفون عددها من إحصاء أقراء، ولا أشهر تحصونها عليهن فَمَتِّعُوهُنَّ أي أعطوهن ما يستمتعن به من عرض أو عين مال وَسَرِّحُوهُنَّ أي خلّوا سبيلهن بإخراجهن من منازلكم. إذ ليس لكم عليهن عدّة سَراحاً جَمِيلًا أي من غير ضرار ولا منع حق.

[تنبيه:]

قال ابن كثير: هذه الآية الكريمة فيها أحكام كثيرة. منها إطلاق النكاح على العقد وحده. وليس في القرآن آية أصرح في ذلك منه. وقد اختلفوا في النكاح: هل هو حقيقة في العقد وحده، أو في الوطء، أو فيهما؟ على ثلاثة أقوال. واستعمال القرآن، إنما هو في العقد والوطء بعده، إلا في هذه الآية. فإنه استعمل في العقد وحده لقوله تعالى إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وفيها دلالة لإباحة طلاق المرأة قبل الدخول بها. وقوله تعالى الْمُؤْمِناتِ خرج مخرج الغالب. إذ لا فرق في الحكم بين المؤمنة والكتابية في ذلك، بالاتفاق. وقد استدل ابن عباس رضي الله عنهما، وابن المسيّب والحسن البصريّ وزين العابدين، وجماعة من السلف بهذه الآية، على أن الطلاق لا يقع إلا إذا تقدمه نكاح، لقوله تعالى إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ فعقب النكاح بالطلاق. فدل على أنه لا يصح ولا يقع قبله. وهذا مذهب الشافعيّ وأحمد وطائفة كثيرة من السلف والخلف. وأيّده ما

روي مرفوعا «١»

(لا طلاق لابن آدم فيما لا يملك) رواه أحمد وأبو داود والترمذيّ وابن ماجة.

وقال الترمذيّ: هذا حديث حسن. وهو أحسن شيء روي في هذا الباب.

وهكذا

روى ابن ماجة «٢» عن عليّ والمسور بن مخرمة رضي الله عنهما، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا طلاق قبل النكاح» .


(١) أخرجه أبو داود في: الطلاق، ٧- باب في الطلاق قبل النكاح، حديث ٢١٩٠.
(٢) أخرجه في: الطلاق، ٧- باب لا طلاق قبل النكاح، حديث ٢٠٤٩ و ٢٠٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>