للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لتوهم أن الرسول يعلم الغيب، فأراد أن يقف على نبأ ما مضى، ويفتح بابا للتخطئة والتكذيب، بالعناد واللجاج. فأجابه موسى عليه السلام بأن هذا سؤال عن الغيب وقد استأثر الله به. فلا يعلمه إلا هو. وليس من وظيفة الرسالة. وإنما علمها مكتوب في اللوح المحفوظ، محصى غير منسي. ويجوز أن يكون فِي كِتابٍ تمثيلا لتمكنه وتقريره في علم الله عزّ وجلّ، بما استحفظه العالم وقيده بالكتبة. قال في العناية: فيشبه علمه تعالى بها علما ثابتا لا يتغير، بمن علم شيئا وكتبه في جريدته، حتى لا يذهب أصلا، فيكون قوله لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى ترشيحا للتمثيل، واحتراسا أيضا. لأن من يفعل ذلك إنما يفعله لخوف النسيان. والله تعالى منزه عنه.

ف (الكتاب) على هذا بمعناه اللغويّ. وهو الدفتر، لا اللوح المحفوظ. وقوله تعالى:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة طه (٢٠) : آية ٥٣]]

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣)

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً أي فراشا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى أي أصنافا من نبات مختلفة الأجناس، في الطعم والرائحة والشكل والنفع.

[لطيفة:]

جعل الزمخشري قوله تعالى: فَأَخْرَجْنا من باب الالتفات. وناقشه الناصر بأن الالتفات إنما يكون في كلام المتكلم الواحد. يصرّف كلامه على وجوه شتى.

وما نحن فيه ليس كذلك. فإن الله تعالى حكى عن موسى عليه السلام قوله لفرعون عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى ثم قوله: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً إلى قوله: فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى فإما أن يجعل من قول موسى، فيكون باب قول خواص الملك (أمرنا وعمرنا) وإنما يريدون الملك، وليس هذا بالتفات. وإما أن يكون كلام موسى قد انتهى عند قوله: وَلا يَنْسى ثم ابتدأ الله تعالى وصف ذاته بصفات إنعامه على خلقه، فليس التفاتا أيضا. وإنما هو انتقال من حكاية إلى إنشاء خطاب. وعلى هذا التأويل ينبغي للقارئ أن يقف وقيفة عند قوله وَلا يَنْسى ليستقر بانتهاء الحكاية. ويحتمل وجها آخر وهو أن موسى وصف الله تعالى بهذه الصفات على لفظ الغيبة. فقال الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً

<<  <  ج: ص:  >  >>