للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السادسة- قوله تعالى: وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى أي لما أعرضت عن آيات الله وعاملتها معاملة من لم يذكرها بعد بلاغها إليك، تناسيتها وأعرضت عنها وأغفلتها.

كذلك اليوم نعاملك معاملة من ينساك فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا [الأعراف: ٥١] ، فإن الجزاء من جنس العمل. فالنسيان مجاز عن الترك.

قال ابن كثير: فأما نسيان لفظ القرآن مع فهم معناه، والقيام بمقتضاه، فليس داخلا في هذا الوعيد الخاص. وإن كان متوعدا عليه من جهة أخرى. فإنه قد وردت السنة بالنهي الأكيد والوعيد الشديد في ذلك.

روى الإمام أحمد عن سعد بن عبادة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال «١» : «ما من رجل قرأ القرآن فنسيه، إلا لقي الله يوم يلقاه، وهو أجذم» .

السابعة- قوله تعالى: وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ ... الآية، أي وهكذا نجزي المسرفين المكذبين بآيات الله في الدنيا والآخرة. وعذاب الآخرة أشد وأبقى، من ضنك العيش في الدنيا. لكونه دائما. ثم أشار تعالى إلى تقرير ما تقدم من لحوق العذاب، بقوله سبحانه:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة طه (٢٠) : آية ١٢٨]]

أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (١٢٨)

أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ أي لهؤلاء المكذبين كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أي الأمم المكذبة للرسل يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ يريد قريشا، أي يتقلّبون في بلاد عاد وثمود ولوط ويعاينون آثار هلاكهم، وأن ليس لهم باقية ولا عين ولا أثر إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى أي العقول السليمة. كما قال تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها، فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: ٤٦] ، وقوله تعالى:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة طه (٢٠) : آية ١٢٩]]

وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩)

وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى بيان لحكمة تأخير عذابهم مع إشعار قوله: أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ ... الآية، بإهلاكهم مثل هلاك (أولئك)


(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٥/ ٢٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>