وَالَّذِينَ كَفَرُوا عطف على ما ينساق إليه ما قبله. كأنه قيل: الذين آمنوا أعمالهم حالا ومآلا كما وصف، والذين كفروا أَعْمالُهُمْ أي التي يحسبونها تنفعهم وتأخذ بيدهم من العذاب كَسَرابٍ وهو ما يرى في الفلاة من ضوء الشمس، وقت الظهيرة، يسرب على وجه الأرض كأنه ماء يجري بِقِيعَةٍ بمعنى القاع، وهو المنبسط من الأرض. أو جمع قاع (كجيرة) في (جار) يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً أي لا محققا ولا متوهما. كما كان يراه من قبل، فضلا عن وجدانه ماء، وبه تم بيان أحوال الكفرة بطريق التمثيل. وقوله تعالى:
وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ أي وجد عقاب الله وجزاءه عند السراب، أو العمل. وفي التعبير بذلك زيادة تهويل. وقيل: المعنى وجده محاسبا إياه. فالعندية بمعنى الحساب، على طريق الكناية لذكر التوفية بعده. قيل: هذه الجملة معطوفة على لَمْ يَجِدْهُ ولا حاجة إلى عطفه على ما يفيده من نحو (لم يجد ما عمله نافعا) .
قال الشهاب: ويحتمل أن يكون بيانا لحال المشبه به، الكافر فيعطف بحسب المعنى على التمثيل بتمامه. ولو قيل على الأول إنه من تتمة وصف السراب.
والمعنى: وجد مقدوره تعالى من الهلاك بالظمأ عند السراب، فوفاه ما كتب له، من لا يؤخر الحساب- كان الكلام متناسبا. واختار الثاني أبو السعود حيث قال: هو بيان لبقية أحوالهم العارضة لهم بعد ذلك بطريق التكملة، لئلا يتوهم أن قصارى أمرهم هو الخيبة والقنوط فقط، كما هو شأن الظمآن. ويظهر أنه يعتريهم بعد ذلك من سوء الحال ما لا قدر عنده للخيبة أصلا. فليست الجملة معطوفة على لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً بل على ما يفهم منه بطريق التمثيل، من عدم وجدان الكفرة من أعمالهم المذكورة عينا ولا أثرا. كما في قوله تعالى وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً فإن قيل: لم خص (الظمآن) بالذكر، مع أنه يتراءى لكل أحد كذلك؟
فكان الظاهر (الرائي) بدله. وأجيب بأنه إنما قيده به ولم يطلقه لقوله: وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ إلخ، لأنه من تتمة أحوال المشبه به. وهو أبلغ. لأن خيبة الكافر أدخل وأعرق. ونحوه ثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا