وتسكين حرف وتحريكه، ونقل حرف إلى آخر مع اتفاق الصورة-. فمن معنى
قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:«أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف»
بمعزل. لأنه معلوم أنه لا حرف من حروف القرآن- مما اختلفت القراء في قراءته بهذا المعنى يوجب المراء به كفر الممارى به، في قول أحد من علماء الأمة. وقد أوجب عليه الصلاة والسلم بالمراء فيه الكفر من الوجه الذي تنازع فيه المتنازعون إليه، وتظاهرت عنه بذلك الرواية.
[سبب الاقتصار على قراءات الأئمة المشهورين]
لما جمع عثمان رضي الله عنه الناس على حرف واحد، وأمر بأن يرسل للآفاق مصاحف على ما جمعه، كما تقدم، وكانت كتابتها مجردة من الشكل والنقط، فقرأ أهل كل مصر بما في مصحفهم، وتلقوا ما فيه عن الصحابة الذين تلقوه من في النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
وأول من نقط المصحف وشكله الحجاج، بأمر عبد الملك بن مروان. وقيل أبو الأسود الدؤليّ. وقيل الحسن البصريّ ويحيى بن يعمر. ثم لما كثر الاختلاف فيما يحتمله الرسم، وقرأ أهل البدع والأهواء بما لا يحل لأحد تلاوته وفاقا لبدعهم. كمن قال من المعتزلة: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً [النساء: ١٦٤] ، بنصب الهاء- رأى المسلمون أن يجمعوا على قراءات أئمة ثقات تجردوا للاعتناء بشأن القرآن العظيم.
فاختاروا من كل مصر، وجّه إليه مصحف، أئمة مشهورين بالثقة والأمانة بالنقل وحسن كمال الدين، وكمال العلم. أفنوا عمرهم في القراءة والإقراء، واشتهر أمرهم وأجمع أهل مصرهم على عدالتهم فيما نقلوا، والثقة بهم فيما قرءوا، ولم تخرج قراءاتهم عن خط مصحفهم. فمنهم بالمدينة أبو جعفر وشيبة، ونافع. وبمكة عبد الله بن كثير وابن محيصن والأعرج. وبالكوفة يحيى بن وثاب وعاصم بن أبي النجود، والأعمش، وحمزة، والكسائيّ، وبالشام عبد الله بن عامر، وعطية بن قيس الكلابيّ، ويحيى بن الحارث الزماريّ. وبالبصرة عبد الله بن أبي إسحاق، وأبو عمرو ابن العلاء، وعاصم الجحدريّ، ويعقوب الحضرميّ.
ثم إن القراء بعد ذلك تفرقوا في البلاد وخلفهم أمم بعد أمم. إلا أنهم كان فيهم المتفق وغيره، فلذا كثر الاختلاف وعسر الضبط، وشق الائتلاف. وظهر التخليط، وانتشر التفريط، واشتبه متواتر القراءات بفاذّها، ومشهورها بشاذها. فمن ثمّ وضع الأئمة لذلك ميزانا يرجع إليه، ومعيارا يعول عليه، وهو السند والرسم والعربية. فكل ما صح سنده واستقام وجهه في العربية، وأوفق لفظه خط مصحف الإمام فهو من