شاهدوا من البينات التي تخرّ لها صمّ الجبال، لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ أي:
خارق، على مقتضى ما كانوا يريدون ومما يتعنتون. كقولهم وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ... [الإسراء: ٩٠] . الآيات.
قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أي: إن اقتراحها جهل، لما أن في تنزيلها قلعا لأساس التكليف، المبني على قاعدة الاختيار. أو استئصالا لهم بالكلية، فإن من لوازم جحد الآية الملجئة، الهلاك، جريا على سنته تعالى في الأمم السالفة. وتخصيص عدم العلم بأكثرهم، لما أن بعضهم واقفون على حقيقة الحال، وإنما يفعلون ما يفعلون مكابرة وعنادا.
وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ أي: مستقرة فيها، لا ترتفع عنها وَلا طائِرٍ يرتفع عنها إذ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ أي: أصناف مصنفة في ضبط أحوالها، وعدم إهمال شيء منها، وتدبير شؤونها، وتقدير أرزاقها.
ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ أي: ما تركنا، وما أغفلنا، في لوح القضاء المحفوظ، مِنْ شَيْءٍ أي: جليل أو دقيق، فإنه مشتمل على ما يجري في العالم، لم يهمل فيه أمر شيء: والمعنى: أن الجميع علمهم عند الله، لا ينسى واحدا منها من رزقه وتدبيره. كقوله: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها، كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ [هود: ٦] . أي: مفصح بأسمائها وأعدادها ومظانّها، وحاصر لحركاتها وسكناتها. ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ يعني: الأمم كلها، من الدوابّ والطير، فينصف بعضهم من بعض، حتى يبلغ من عدله أن يأخذ للجمّاء من القرناء. وإيراد ضميرها على صيغة جمع العقلاء. لإجرائها مجراهم.
[تنبيهات:]
الأول- قال الزمخشري: إن قلت: فما الغرض في ذكر ذلك؟ قلت: الدلالة على عظم قدرته، ولطف علمه، وسعة سلطانه، وتدبيره تلك الخلائق المتفاوتة الأجناس، المتكاثرة الأصناف، وهو حافظ لما لها وما عليها، مهيمن على أحوالها، لا يشغله شأن عن شأن، وأن المكلفين ليسوا بمخصوصين بذلك دون من عداهم من سائر الحيوان.