على أن كلامه متعلق بمشيئته وقدرته، وأنه يتكلم إذا شاء وأنه يتكلم شيئا بعد شيء، فنحن نقول به. وما يقول به من يقول: إن كلام الله قائم بذاته، وأنه صفة له، والصفة لا تقوم إلا بالموصوف، فنحن نقول به. وقد أخذنا بما في قول كل من الطائفتين من الصواب، وعدلنا عما يردّه الشرع والعقل من قول كل منهما. فإذا قالوا لنا: فهذا يلزم منه أن تكون الحوادث قامت به، قلنا: ومن أنكر هذا قبلكم من السلف والأئمة؟ ونصوص القرآن والسنة تتضمن ذلك مع صريح العقل. وهو قول لازم لجميع الطوائف: ومن أنكره فلم يعرف لوازمه وملزوماته. ولفظ (الحوادث) مجمل فقد يراد به الأعراض والنقائص، والله منزه عن ذلك. ولكن يقوم به ما شاءه ويقدر عليه من كلامه وأفعاله ونحو ذلك، مما دل عليه الكتاب والسنة.
ثم قال: والقول بدوام كونه متكلما ودوام كونه فاعلا بمشيئته، منقول عن السلف وأئمة المسلمين من أهل البيت وغيرهم. كابن المبارك وأحمد بن حنبل والبخاريّ وعثمان بن سعيد الدارميّ وغيرهم.
ثم قال فنحن قلنا بما يوافق العقل والنقل من كمال قدرته ومشيئته: وإنه قادر على الفعل بنفسه كيف شاء. وقلنا إنه لم يزل موصوفا بصفات الكمال متكلما ذاتا.
فلا نقول إن كلامه مخلوق منفصل عنه، فإن حقيقة هذا القول أنه لا يتكلم. ولا نقول إنه شيء واحد، أمر ونهي وخبر. فإن هذا مكابرة للعقل. ولا نقول إنه أصوات منقطعة متضادة أزلية، فإن الأصوات لا تبقى زمانين. وأيضا فلو قلنا بهذا القول والذي قبله، لزم أن يكون تكليم الله للملائكة ولموسى ولخلقه يوم القيامة، ليس إلا مجرد خلق الإدراك لهم، لما كان أزليّا لم يزل ومعلوم أن النصوص دلت على ضد ذلك. ولا نقول إنه صار متكلما بعد أن لم يكن متكلما. فإنه وصف له بالكمال بعد النقص وإنه صار محلّا للحوادث التي كمل بها بعد نقصه. ثم حدوث ذلك الكمال لا بد له من سبب. والقول في الثاني كالقول في الأول. ففيه تجدد جلاله ودوام أفعاله. انتهى ملخصا.
ثم بين تعالى ما كانوا يتناجون به من ضلالهم، بقوله سبحانه: