١١] ، وقوله تعالى عن إبراهيم أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ [الشعراء: ٧٥- ٧٦] ، انتهى.
وقال العارف ابن عربيّ في الباب التاسع والستين والثلاثمائة من (فتوحاته) في هذه الآية: المراد أنه محدث الإتيان، لا محدث العين. فحدث علمه عندهم حين سمعوه. وهذا كما تقول حدث اليوم عندنا ضيف، ومعلوم أنه كان موجودا قبل أن يأتي. وكذلك القرآن جاء في مواد حادثة تعلق السمع بها. فلم يتعلق الفهم بما دلت عليه الكلمات. فله الحدوث من وجه والقدم من وجه.
فإن قلت: فإن الكلام لله والترجمة للمتكلم. فالجواب نعم. وهو كذلك بدليل قوله تعالى مقسما (إنّه) يعني القرآن: لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [الحاقة: ٤٠] فأضاف الكلام إلى الواسطة والمترجم، كما أضافه تعالى إلى نفسه بقوله: فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة: ٦] ، فإذا تلي علينا القرآن فقد سمعنا كلام الله تعالى. وموسى لما كلمه ربه سمع كلام الله. ولكن بين السماعين بعد المشرقين.
فإن الذي يدركه من يسمع كلام الله بلا واسطة، لا يساويه من يسمعه بالوسائط.
انتهى.
وبالجملة فالمذهب المأثور عن أهل السنة والجماعة أئمة الحديث والسلف، كما قاله ابن تيمية في (منهاج السنة) أن الله تعالى لم يزل متكلما إذا شاء بكلام يقوم به. وهو متكلم بصوت يسمع. وأن نوع الكلام قديم، وإن لم يجعل نفس الصوت المعيّن قديما.
وبعبارة أخرى: أنه تعالى لم يزل متصفا بالكلام. يقول بمشيئته وقدرته شيئا فشيئا. فكلامه حادث الآحاد، قديم النوع.
ثم قال رحمه الله: فإن قيل لنا: فقد قلتم بقيام الحوادث بالرب. قلنا نعم.
وهذا قولنا الذي دل عليه الشرع والعقل ومن لم يقل إن البارئ يتكلم ويريد ويحب ويبغض ويرضى ويأتي ويجيء- فقد ناقض كتاب الله. ومن قال: إنه لم يزل ينادي موسى في الأزل فقد خالف كلام الله مع مكابرة العقل. لأن الله تعالى يقول: فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ [النمل: ٨] ، وقال: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: ٨٢] ، فأتى بالحروف الدالة على الاستقبال.
ثم قال رحمه الله: قالوا- يعني أئمة أصحاب الحديث وغيرهم من أصحاب الشافعيّ وأحمد وغيرهما- وبالجملة فكل ما يحتج به المعتزلة والشيعة مما يدل