جميع هذه المواضع المعدودة، واردة لغير ما زعمه هؤلاء. والله الموفق.. انتهى.
الثالث: حكي في (الإكليل) عن مجاهد في قوله تعالى: فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً إلا بما أظهرنا لك. ومثله قول السدّيّ: إلا بما أوحي إليك. وإن فيه تحريم الجدل بغير علم وبلا حجة ظاهرة. وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الكهف (١٨) : الآيات ٢٣ الى ٢٤]
وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ في هذه الآية وجوه من المعاني. منها أن المعنى لا تقولن إلا وقت أن يشاء الله بأن يأذن لك في القول، فتكون قائلا بمشيئته، فالمشيئة على هذا بمعنى الإذن. لأن وقت مشيئة الله لشيء لا تعلم إلا بإذنه فيه أي إعلامه به. ومنها لا تقولن لما عزمت عليه من فعل، إني فاعل ذلك غدا إلا قائلا معه إن شاء الله تبرؤا من لزوم التحكم على الله، ومن الفعل بإرادتك بل بإرادة الله، فتكون فاعلا بمشيئته. ولئلا يلزم الكذب لو لم يشأه الله تعالى. ومنها أن المعنى لا تقولن ذلك قاطعا بفعله وباتّا له. لأنه وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً [لقمان: ٣٤] ، فلا ينبغي الجزم والبت على فعل أمر مستقبل مجهول كونه. وقوله تعالى: إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أي أن تقول ذلك القول البات نسيانا فحينئذ ارجع إلى ربك بذكره. ولذا قال: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وعلى هذه الوجوه كلها ف لا تَقُولَنَّ نهي معطوف على النهيين قبله. قال الجاحظ في كتاب (الحيوان) : إنما ألزم جل وعلا عبده أن يقول: إن شاء الله، ليبقي عادة للمتألي، ولئلا يكون كلامه ولفظه يشبه لفظ المستبد والمستغني، وعلى أن يكون عبده ذاكرا لله. لأنه عبد مدبّر، ومقلّب ميسّر، ومصرّف مسخّر.
وبقي وجه آخر. وهو أن المعنى لا تقولن ذلك إلا أن يشاء الله أن تقول هذا القول. والجملة خبرية قصد بها الإخبار عن سبق مشيئته تعالى لكل ما يعزم عليه ويقوله. كقوله تعالى وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [الإنسان: ٣٠] وهذا المعنى هو الظاهر ببادئ الرأي كما قاله في (الانتصاف) وفي هذا المعنى تلويح بأنه صلوات الله عليه كان همّ بأمر ما في نبأ هؤلاء الفتية، وعزم على أمر في غد المحاورة به.
ولعله الاستفتاء عنهم. فلما نهى عنه أخبر بأن كل شيء كائن بمشيئته تعالى، ليدخل فيه ما كان قاله دخولا أوليّا. أي ما قلته وعزمت على فعله كان بمشيئة الله،