وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً أي جعل هؤلاء المشركون لله من خلقه نصيبا.
وذلك قولهم للملائكة (هم بنات الله) قال القاشانيّ: أي اعترفوا بأنه خالق السموات والأرض ومبدعهما وفاطرهما. وقد جسموه وجزأوه بإثبات الولد له، الذي هو بعض من الوالد، مماثل له في النوع، لكونهم ظاهريين جسمانيين، لا يتجاوزون عن رتبة الحس والخيال، ولا يتجردون عن ملابس الجسمانيات، فيدركون الحقائق المجردة والذوات المقدسة، فضلا عن ذات الله تعالى. فكل ما تصوروا وتخيلوا، كان شيئا جسمانيا. ولهذا كذبوا الأنبياء في إثبات الآخرة والبعث والنشور، وكل ما يتعلق بالمعاد. إذ لا يتعدى إدراكهم الحياة الدنيا، وعقولهم المحجوبة عن نور الهداية، أمور المعاش. فلا مناسبة أصلا بين ذواتهم وذوات الأنبياء، إلا في ظاهر البشرية. فلا حاجة إلى ما وراءها. انتهى إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ أي لجحود نعم ربه، التي أنعمها عليه. يبين كفرانه لمن تدبر حاله.
أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ أي: بل اتخذ. والهمزة للإنكار تجهيلا لهم. وتعجيبا من شأنهم، حيث لم يرضوا بأن جعلوا لله من عباده جزءا، حتى جعلوا ذلك الجزء شر الجزأين وهو الإناث دون الذكور. على أنهم أنفر خلق الله عن الإناث، وأمقتهم لهن. ولقد بلغ بهم المقت إلى أن وادوهن. كأنه قيل: هبوا أن إضافة اتخاذ الولد إليه جائزة، فرضا وتمثيلا، أما تستحيون من الشطط في القسمة، ومن ادعائكم أنه آثركم على نفسه بخير الجزأين وأعلاهما، ترك له شرهما وأدناهما؟
وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا أي من البنات ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا أي من الكآبة والغم والحزن وَهُوَ كَظِيمٌ أي مملوء قلبه من الكرب.