وثانيهما: أن يراد سموات الآخرة وأرضها، إذ لا بد لأهلها من مظلّ ومقلّ قال تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ [إبراهيم: ٤٨] ، وقوله: وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ [الزمر: ٧٤] .
فإن قلت: ما معنى الاستثناء بالمشيئة، وقد ثبت خلود أهل الدارين فيهما من غير استثناء؟.
فالجواب: ما قدمناه في قوله تعالى: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ [الأعراف: ١٨٨] ، يعني أن الاستثناء بالمشيئة قد استعمل في أسلوب القرآن، للدلالة على الثبوت والاستمرار.
والنكتة في الاستثناء بيان أن هذه الأمور الثابتة الدائمة إنما كانت كذلك بمشيئة الله تعالى بطبيعتها في نفسها، ولو شاء تعالى أن يغيرها لفعل.
وقد أشار لهذا ابن كثير بقوله: يعني أن دوامهم ليس أمرا واجبا بذاته، بل موكول إلى مشيئته تعالى.
وابن عطية بقوله: هذا على طريق الاستثناء الذي ندب الشارع إلى استعماله في كل كلام كقوله: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ [الفتح: ٢٧] ، فليس يحتاج أن يوصف بمتصل ولا منقطع.
وللمفسرين هنا وجوه كثيرة، وما ذكرناه أحقها وأبدعها.
ولما قص تعالى قصص عبدة الأوثان وذكر ما أحله بهم من نقمة، وما أعدّ لهم من عذابه قال:
فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ أي في شك من عبادتهم، في أنها ضلال مؤدّ إلى مثل ما حلّ بمن قبلهم. وفيه تسلية له صلوات الله عليه، وعدة بالانتقام، ووعيد لهم. ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ أي فهم سواء في الإشراك، وقد بلغك ما نزل بآبائهم، فسيحلّ بهم مثله. وهو استئناف معلل للنهي عن المرية وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ أي من العذاب، كما وفي لآبائهم غَيْرَ مَنْقُوصٍ.