كما قال مقاتل، وهو الأنسب بسياق النظم الكريم، وسياقه لا يقتضي اختصاصه بكفرهم، بل يكفي اندراجه فيه قطعا. بل لا وجه له أصلا. لاقتضائه جواز مغفرة ما دون كفرهم في الشدة من أنواع الكفر. أي لا يغفر الكفر لمن اتصف به بلا توبة وإيمان. لأن الحكمة التشريعية مقتضية لسد باب الكفر. وجواز مغفرته بلا إيمان مما يؤدي إلى فتحه. ولأن ظلمات الكفر والمعاصي إنما يسترها نور الإيمان. فمن لم يكن له إيمان لم يغفر له شيء من الكفر والمعاصي. انتهى.
قال الشهاب: الشرك يكون بمعنى اعتقاد أن لله شريكا، وبمعنى الكفر مطلقا، وهو المراد هنا. وقد صرح به في قوله تعالى في سورة (البينة) بقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها [البينة: ٦] .
فلا يبقى شبهة في عمومه. انتهى.
وقال الرازيّ: هذه الآية دالة على أن اليهوديّ يسمى مشركا، في عرف الشرع.
ويدل عليه وجهان: الأول- أن الآية دالة على أن ما سوى الشرك مغفور. فلو كانت اليهودية مغايرة للشرك لوجب أن تكون مغفورة بحكم هذه الآية. وبالإجماع هي غير مغفورة. فدل على أنها داخلة تحت اسم الشرك. الثاني- إن اتصال هذه الآية بما قبلها، إنما كان لأنها تتضمن تهديد اليهود. فلولا أن اليهودية داخلة تحت اسم الشرك، وإلا لم يكن الأمر كذلك. فإن قيل: قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا ... إلى قوله: وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [الحج: ١٧] . فعطف المشرك على اليهوديّ، وذلك يقتضي المغايرة- قلنا المغايرة حاصلة بسبب المفهوم اللغويّ.
والاتحاد حاصل بسبب المفهوم الشرعيّ. ولا بد من المصير إلا ما ذكرناه، دفعا للتناقض. انتهى.
[لطيفة:]
قال أبو البقاء: الشرك أنواع: شرك الاستقلال وهو إثبات إلهين مستقلين.
كشرك المجوس. وشرك التبعيض، وهو تركيب الإله من آلهة كشرك النصارى. وشرك التقريب، وهو عبادة غير الله ليقرب إلى الله زلفى، كشرك متقدمي الجاهلية. وشرك التقليد، وهو عبادة غير الله تبعا للغير. كشرك متأخري الجاهلية. وشرك الأسباب.
وهو إسناد التأثير للأسباب العادية، كشرك الفلاسفة والطبائعيين ومن تبعهم على ذلك. وشرك الأغراض، وهو العمل لغير الله. فحكم الأربعة الأولى الكفر بإجماع.
وحكم السادس المعصية من غير كفر بإجماع. وحكم الخامس التفصيل. فمن قال في الأسباب العادية إنها تؤثر بطبعها فقد حكى الإجماع على كفره. ومن قال إنها