أن تعذيبهم، مع أنه قطعيّ الوجود، كيف استعمل فيه (إن) وعدم وقوع العفو بحكم النص والإجماع.
وفي كتب الكلام: إن غفران الشرك جائز عقلا عندنا وعند جمهور البصريين من المعتزلة. لأن العقاب حق الله على المذنب، وليس في إسقاطه مضرة.
وبالجملة: فليس قوله تعالى إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ تعريضا بسؤاله العفو عنهم. وإنما هو لإظهار قدرته على ما يريد، وعلى مقتضى حكمه وحكمته. ولذا قال: إنك أنت العزيز الحكيم، تنبيها على أنه لا امتناع لأحد عن عزته، فلا اعتراض في حكمه وحكمته.
قال الرازيّ: قال قوم: لو قال: فإنك أنت الغفور الرحيم، أشعر ذلك بكونه شفيعا لهم. فلما قال: فإنك أنت العزيز الحكيم، دل ذلك على أن غرضه تفويض الأمر بالكلية إلى الله تعالى، وترك التعرض لهذا الباب من جميع الوجوه.
وفي (العناية) ما ملخصه: أن ما ظنه بعضهم من أن مقتضى الظاهر الْغَفُورُ الرَّحِيمُ بدل الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ كما وقع في مصحف عبد الله بن مسعود- فقد غاب عنه سر المقام. لأنه ظن تعلقه بالشرط الثاني فقط، لكونه جوابه. وليس كما توهم. بل هو متعلق بهما. ومن له الفعل والترك عزيز حكيم. فهذا أنسب وأدق وأليق بالمقام، أو هو متعلق بالثاني، وإنه احتراس، لأن ترك عقاب الجاني قد يكون لعجز ينافي القدرة، أو لإهمال ينافي الحكمة. فبيّن أن ثوابه وعقابه مع القدرة التامة والحكمة البالغة.
[تنبيه:]
قال الحافظ ابن كثير: هذه الآية لها شأن عظيم ونبأ عجيب. وقد ورد في الحديث أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قام بها ليلة إلى الصباح يرددها.
روى الإمام «١» أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: صلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ذات ليلة.
فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسجد بها إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فلما أصبح قلت: يا رسول! لم تزل تقرأ هذه الآية حتى أصبحت. تركع بها وتسجد بها؟ قال: إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي فأعطانيها. وهي نائلة، إن شاء الله، لمن لا يشرك بالله شيئا.