عليه إلا الإخفاء، مع أنه روي عنهم الإسكان المحض أيضا. ثم قال: وقد صرح المحقق في نشره أن الداني روى الوجهين جميعا. ثم قال: والإسكان آثر والإخفاء أقيس وهو قراءة أبي جعفر والحسن. وغاية ما فيه الجمع بين الساكنين وليس أولهما حرف مد ولين وهو جائز قراءة ولغة. ولا عبرة بمن أنكره ولو كان إمام البصرة.
والمنكر له هنا يقرأ به لحمزة في قوله تعالى: فَمَا اسْتَطاعُوا [الكهف: ٩٧] .
بالكهف إذ فيه الجمع بين الساكنين وصلا بلا شك إذ السين ساكن والطاء مشدد وهذا مثله. والله أعلم. وبه يعلم ردّ ما قيل إن راوي التسكين لم يضبط القراءة لأن القارئ اختلس كسرة العين فظنه إسكانا فإنه غفلة عن جوازه لغة. كما حكاه أبو عبيد. وعن القراءة بنظيره في (استطاعوا) وبالله التوفيق.
لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ أي لا يجب عليك أن تجعلهم مهديين إلى الإتيان بما أمروا به من المحاسن والانتهاء عما نهوا عنه من المساوئ المعدودة كالمنّ والأذى والإنفاق من الخبيث والبخل وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ بخلق الهداية في قلبه عقيب بيانك لجريان سنته بخلق الأشياء عقيب أسبابها، لا على سبيل الوجوب. بل على سبيل الاختيار، أفاده المهايميّ.
قال أبو السعود: والجملة معترضة جيء بها على طريق تلوين الخطاب وتوجيهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع الالتفات إلى الغيبة فيما بين الخطابات المتعلقة بالمكلفين، مبالغة في حملهم على الامتثال. فإن الإخبار بعدم وجوب تدارك أمرهم على النبيّ صلّى الله عليه وسلم مؤذن بوجوبه عليهم حسبما ينطق به ما بعده من الشرطية وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ أي بالحقيقة لأن المنفق عليه إنما يقضي بها حاجته الفانية ويحصل لكم بها الثواب الأبديّ، فلم تمنون به على الناس وتؤذونهم؟ ونظائر هذا القرآن كثيرة كقوله: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ [فصلت: ٤٦] ، وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ نفي في معنى النهي. أي فلا تستطيلوا به على الناس ولا تراؤوا به. وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ثوابه أضعافا مضاعفة وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ أي لا تنقصون من حسناتكم، كما لا يزاد على سيئاتكم.