للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفَسادٌ كَبِيرٌ

[الأنفال: ٧٣] ، فأخبر أن موالاة الكافرين تؤدّي إلى الفتنة والفساد، لما تقدّم.

وقولهم: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ أي: بين المؤمنين وأهل الكتاب. نداري الفريقين ونريد الإصلاح بينهما كما حكى الله عنهم أنهم قالوا: إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً [النساء: ٦٢] . أو معناه: إنما نحن مصلحون في الأرض بالطاعة والانقياد.

قال الراغب: تصوّروا إفسادهم بصورة الإصلاح- لما في قلوبهم من المرض- كما قال أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً [فاطر: ٨] وقوله: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: ٤٣] وقوله: وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً [الكهف: ١٠٤] .

وقال القاشانيّ كانوا يرون الصلاح في تحصيل المعاش، وتيسير أسبابه، وتنظيم أمور الدنيا- لأنفسهم خاصة- لتوغّلهم في محبّة الدنيا، وانهماكهم في اللذات البدنية، واحتجابهم- بالمنافع الجزئية، والملاذّ الحسية- عن المصالح العامة الكلّية، واللذات العقلية، وبذلك يتيسر مرادهم، ويتسهل مطلوبهم، وهم لا يحسون بإفسادهم المدرك بالحسّ.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ١٣]]

وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣)

وَإِذا قِيلَ لَهُمْ بطريق الأمر بالمعروف، إثر نهيهم عن المنكر- إتماما للنّصح، وإكمالا للإرشاد- آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ أي: الكاملون في الإنسانية، فإنّ المؤمنين هم الناس في الحقيقة لجمعهم ما يعدّ من خواصّ الإنسان وفضائله- قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ استفهام في معنى الإنكار. و (السفه) خفّة وسخافة رأي يورثهما: قصور العقل، وقلّة المعرفة بمواضع المصالح والمضار. ولهذا سمى الله النساء والصبيان سفهاء في قوله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً [النساء: ٥] .

وإنما سفّهوهم- مع أنهم العقلاء المراجيح- لأنهم: لجهلهم، وإخلالهم بالنظر وإنصاف أنفسهم، اعتقدوا أنّ ما هم فيه هو الحقّ، وأنّ ما عداه باطل- ومن

<<  <  ج: ص:  >  >>