قوله تعالى: فالِقُ الْإِصْباحِ خبر آخر ل (إنّ) ، أو لمبتدأ محذوف. و (الإصباح) مصدر سمي به الصبح. قال المرؤ القيس:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ... بصبح وما الإصباح فيك بأمثل
أي: شاقّه عن ظلمة الليل وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً أي: صيّر الظلام يسكن إليه، ويطمئن به، استرواحا من تعب النهار. أو يسكن فيه الخلق، أي: يقرّوا ويهدئوا (من السكون) - وهو الأظهر لقوله لِتَسْكُنُوا فِيهِ- وقرئ (وجاعل الليل) .
وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً أي: على أدوار مختلفة، لتحسب بهما الأوقات التي نيط بها العبادات والمعاملات. كما ذكره في سورة يونس في قوله: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ [يونس: ٥] .
ذلِكَ أي التسيير بالحساب المعلوم تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ أي: الغالب على أمره، الْعَلِيمِ بتدبيرهما، ومراعاة الحكمة في شأنهما.
[تنبيهات:]
الأول- قال الرازيّ: قوله تعالى: فالِقُ الْإِصْباحِ.. الآية، نوع آخر من دلائل وجود الصانع وعلمه وقدرته وحكمته. فالنوع المتقدم كان مأخوذا من دلالة أحوال النبات والحيوان. والنوع المذكور في هذه الآية مأخوذ من الأحوال الفلكية. وذلك لأن فلق ظلمة الليل بنور الصبح أعظم في كمال القدرة من فلق الحب والنوى بالنبات والشجر، ولأن من المعلوم بالضرورة أن الأحوال الفلكية أعظم في القلوب وأكثر وقعا من الأحوال الأرضية. ثم قرر الحجة من وجوه عديدة، وأجاد رحمه الله.
الثاني- قرئ الْإِصْباحِ بفتح الهمزة، على أنه جمع صبح، كقفل وأقفال.
الثالث- في (البحر الكبير) : أن السنة الشرعية قمرية لا شمسية، والشمسية مما حدث في دواوين الخراج، وإنما أضيف الحساب في الآية إليهما، لأن بطلوع الشمس ومغيبها يعرف عدد الأيام التي تتركب منها الشهور والسنون، فمن هنا دخلت- انتهى.