وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ قال ابن جرير: أي لا تكونوا كالذين تركوا أداء حق الله الذي أوجبه عليهم، فأنساهم حظوظ أنفسهم من الخيرات.
وقال القاشاني: نَسُوا اللَّهَ أي بالاحتجاب بالشهوات الجسمانية، والاشتغال باللذات النفسانية فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ حتى حسبوها البدن وتركيبه ومزاجه، فذهلوا عن الجوهرة القدسية، والفطرية النورية.
وقال ابن القيّم في (دار السعادة) : تأمل هذه الآية تجد تحتها معنى شريفا عظيما. وهو أن من نسي ربه، أنساه ذاته ونفسه، فلم يعرف حقيقته ولا مصالحه، بل نسي ما به صلاحه وفلاحه، في معاشه ومعاده، فصار معطلا مهملا، بمنزلة الأنعام السائبة بل ربما كانت الأنعام أخبر بمصالحها منه، لبقائها علي هداها الذي أعطاها إياه خالقها. وأما هذا فخرج عن فطرته التي خلق عليها، فنسي ربه. فأنساه نفسه وصفاتها، وما تكمل به، وتزكو به، وتسعد به في معاشها ومعادها. قال تعالى: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف: ٢٨] . فغفل عن ذكره ربه، فانفرط عليه أمره وقلبه، فلا التفات له إلى مصالحه وكماله، وما تزكو به نفسه وقلبه، بل هو مشتت القلب مضيعه، مفرط الأمر، حيران لا يهتدي سبيلا، فالعلم بالله أصل كل علم، وهو أصل علم العبد بسعادته وكماله، ومصالح دنياه وآخرته. والجهل به مستلزم للجهل بنفسه ومصالحها وكمالها، وما تزكو به وتفلح به. فالعلم به سعادة العبد، والجهل به أصل شقاوته، انتهى.
أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ أي: الذين خرجوا عن الدين القيّم الذي هو فطرة الله التي فطر الناس عليها. وخانوا وغدروا، ونبذوا عهد الله وراء ظهورهم فخسروا.