وإلى ذلك الإشارة بقوله فَظَلُّوا لأن الظلول إنما يكون نهارا. لقالوا بعد هذا الإيضاح العظيم المكشوف إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا وسحرنا محمد. وما هذه إلا خيالات لا حقائق تحتها. فأسجل عليهم بذلك أنهم لا عذر لهم في التكذيب، من عدم سماع ووعي ووصول إلى القلوب وفهم، كما فهم غيرهم من المصدقين، لأن ذلك كله حاصل لهم. وإنما بهم العناد واللدد والإصرار، لا غيره. والله أعلم.
ثم بيّن تعالى دلائل وحدته وعظمته وقدرته الباهرة، بقوله سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحجر (١٥) : الآيات ١٦ الى ١٨]
وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً جمع (برج) يطلق على القصر والحصن وعلى المنازل الأثني عشر التي تنتقل فيها الشمس في ظاهر الرؤية.
وقد فسرت البروج في الآية بالنجوم وبالمنازل المذكورة وبالقصور، على التشبيه بحصون الأرض وقصورها. فإن النجوم هياكل فخيمة عظيمة وَزَيَّنَّاها أي السماء بتلك البروج المختلفة الأشكال والأضواء المرئية لِلنَّاظِرِينَ أي إلى حركاتها وأضوائها. أو للمتفكرين المعتبرين المستدلين بها على قدرة موجدها ووحدانيته وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ، إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ أي اختلس السَّمْعَ أي من الملائكة السماوية فَأَتْبَعَهُ أي تبعه ولحقه شِهابٌ مُبِينٌ أي لهب محرق ظاهر، فيرجع أو فيحترق.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحجر (١٥) : آية ١٩]]
وَالْأَرْضَ مَدَدْناها أي بسطناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ أي جبالا ثوابت وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ أي وزن بميزان الحكمة، وقدّر بمقدار تقتضيه، لا يصلح فيه زيادة ولا نقصان، أو بمعنى مستحسن متناسب من قولهم: كلام موزون.
وقد ذكر الشريف المرتضى في (الدرر) : أن العرب استعملته بهذا المعنى، كقول عمر ابن أبي ربيعة.