وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً أي حنفاء متفقين على ملة واحدة، وهي فطرة الإسلام والتوحيد التي فطر عليها كل أحد فَاخْتَلَفُوا باتباع الهوى وعبادة الأصنام، فالشرك وفروعه جهلات ابتدعها الغواة صرفا للناس عن وجهة التوحيد، ولذلك بعث الله الرسل بآياته وحججه البالغة، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [الأنفال: ٤٢] ، وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ أي بتأخير الحكم بينهم إلى يوم القيامة لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ أي عاجلا فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ بتمييز الحق من الباطل، بإبقاء المحق، وإهلاك المبطل.
وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ أي من الآيات التي اقترحوها تعنتا وعنادا، وكانوا لا يعتدّون بما أنزل عليه من الآيات العظام المتكاثرة، التي لم ينزل على أحد من الأنبياء مثلها، وكفى بالقرآن وحده آية باقية على وجه الدهر، بديعة غريبة في الآيات. فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ أي هو المختص بعلم الغيب، المستأثر به، لا علم لي ولا لأحد به. يعني أن الصارف عن إنزال الآيات المقترحة أمر مغيّب لا يعلمه إلا هو.
فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ أي فما يقضيه الله تعالى في عاقبة تعنتكم، فإن العاقبة للمتقين. وقد قال تعالى في آية أخرى: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ [الإسراء: ٥٩] ، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ، وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ [يونس: ٩٦- ٩٧] ، وقال تعالى: