للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحمد والترمذيّ «١» والحاكم عن معاوية بن حيدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إنكم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عزّ وجلّ

. قال ابن كثير: وهو حديث مشهور، وقد حسنه الترمذيّ. ويروى من حديث معاذ بن جبل وأبي سعيد ونحوه. وإنما حازت هذه الأمة قصب السبق إلى الخيرات بنبيها محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه أشرف خلق الله، وأكرم الرسل على الله، وبعثه الله بشرع كامل عظيم، لم يعطه نبيّ قبله، ولا رسول من الرسل، فالعمل على منهاجه وسبيله، يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل الكثير من أعمال غيرهم مقامه. وقد ذكر الحافظ ابن كثير هاهنا حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وساق طرقه ومخرجيه فأجاد رحمه الله تعالى. وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ أي بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم لَكانَ خَيْراً لَهُمْ أي مما هم عليه، إشارة إلى تسفيه أحلامهم في وقوفهم مع ما منعهم عن الإيمان من العوض القليل الفاني والرياسة التافهة، وتركهم الغنى الدائم، والعز الباهر. ولما كان هذا ربما أوهم أنه لم يؤمن منهم أحد قال مستأنفا مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ أي بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم ولكنهم قليل وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ ولما كانت مخالفة الأكثر قاصمة، خفف سبحانه عن أوليائه بقوله:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ١١١]]

لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١١١)

لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً أي بألسنتهم لا يبالي به من طعن وتهديد وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ أي يوما من الأيام يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ يعني منهزمين مخذولين ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ يعني لا يكون لهم النصر عليكم، بل تنصرون عليهم. وقد صدق الله ومن أصدق من الله قيلا؟ لم يقاتلوا في موطن إلا كانوا كذلك. قال ابن كثير: فإنهم يوم خيبر أذلهم الله، وأرغم أنوفهم، وكذلك من قبلهم من يهود المدينة: بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة، كلهم أذلهم الله. وكذلك النصارى بالشام كسرهم الصحابة في غير ما موطن وسلبوهم ملك الشام أبد الآبدين ودهر الداهرين. ولا تزال عصابة الإسلام قائمة بالشام حتى ينزل عيسى ابن مريم، وهم كذلك، ويحكم بملة الإسلام، وشرع محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير،


(١) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٥/ ٣.
والترمذيّ في: التفسير، ٣- سورة آل عمران، ٩- حدثنا عبد بن حميد.

<<  <  ج: ص:  >  >>