وكانت تحته ابنة عم له يقال لها خويلة بنت ثعلبة، فظاهر منها، فأسقط في يديه، وقال: ما أراك إلا قد حرمت عليّ، وقالت له مثل ذلك. قال: فانطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدت عنده ماشطة تمشط رأسه، فأخبرته فقال: يا خويلة! ما أمرنا في أمرك بشيء، فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: يا خويلة! أبشري.
قالت خيرا. قال فقرأ عليها قَدْ سَمِعَ اللَّهُ ... إلى قوله تعالى: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا. قالت: وأيّ رقبة لنا؟ والله! ما نجد رقبة غيري؟ قال: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ قالت: والله! لولا أنه يشرب في اليوم ثلاث مرات لذهب بصره. قال: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً قالت: من أين؟ ما هي إلا أكلة إلى مثلها! قال: فرعاه بشطر وسق ثلاثين صاعا، والوسق ستون صاعا، فقال: ليطعم ستين مسكينا وليراجعك. قال ابن كثير: إسناده جيّد قوي، وسياق غريب، وقد روي عن أبي العالية نحو هذا.
[تنبيهات:]
قال السيوطي في (الإكليل) : في هذه الآية حكم الظهار، وأنه من الكبائر، وأنه خاص بالزوجات، دون الأجنبيات، وأن فيه بالعود كفارة، وأنه يحرم الوطء قبلها، وأنها مرتبة: العتق، ثم صوم شهرين متتابعين، ثم إطعام ستين مسكينا، واستدلّ، مالك بقوله: مِنْكُمْ على أن الكافر لا يدخل في الحكم، وبقوله: مِنْ نِسائِهِمْ على صحته من الزوجات والسراري، لشمول النساء لهنّ.
واستدلّ ابن جرير وداود وفرقة بقوله: ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا على أن العود الموجب للكفارة، أن يعود إلى لفظ الظهار فيكرر.
واستدلّ بإطلاق الرقبة في كفارة الظهار عتق الكافرة.
واستدلّ بظاهر الآية من لم ير الظهار إلا في التشبيه بظهر الأمّ خاصّة دون سائر الأعضاء، ودون الاقتصار على قوله (كأمي) ، وبالأم خاصة دون الحدّات وسائر المحارم من النسب أو الرضاع أو المصاهرة والأب والابن ونحو ذلك. ومن قال لا حكم لظهار الزوجة من زوجها، لأنه تعالى خص الظهار بالرجل. ومن قال بصحة ظهار العبد لعموم الَّذِينَ له. ومن قال بإباحة الاستمتاعات بناء على عدم دخولها في لفظ المماسة. ومن قال يجوز الوطء ونحو ذلك قبل الإطعام إذا كان يكفر به، لأنه لم يذكر فيه مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا.
وفي الآية ردّ على من أوجب الكفارة بمجرد لفظ الظهار، ولم يعتبر العود.
ووجه ما قاله أنه جعل العود فعله في الإسلام بعد تحريمه.