فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ... [البقرة: ٢٢٩] حتى يجري على معنى قوله تعالى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً [النساء: ٤] .
ويجري هنا مسائل الحيل أمثلة لهذا المعنى. لأن من فهم باطن ما خوطب به لم يحتل على أحكام الله حتى ينال منها بالتبديل والتغيير، ومن وقف مع مجرد الظاهر غير ملتفت إلى المعنى المقصود اقتحم هذه المتاهات البعيدة. وكذلك تجري مسائل المبتدعة أمثلة أيضا. وهم الذين يتبعون ما تشابه من الكتاب ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله. كما قال الخوارج لعليّ: إنه حكّم الخلق في دين الله والله يقول: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ [الأنعام: ٥٧] . وقالوا: إنه محا نفسه من إمارة المؤمنين فهو إذا أمير الكافرين. وقالوا لابن عباس: لا تناظروه فإنه ممن قال الله فيهم: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [الزخرف: ٥٨] . وكما زعم أهل التشبيه في صفة الباري، حين أخذوا بظاهر قوله: تَجْرِي بِأَعْيُنِنا [القمر: ١٣ و ١٤] مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا [يس: ٧١] وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: ١١] وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ [الزمر: ٦٧] . وحكموا مقتضاه بالقياس على المخلوقين فأسرفوا ما شاءوا.
فلو نظر الخوارج أن الله تعالى قد حكم الخلق في دينه في قوله: يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ [المائدة: ٩٥] وقوله: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها [النساء: ٣٥] لعلموا أن قوله: إن الحكم إلا لله، غير مناف لما فعله عليّ، وأنه من جملة حكم الله. فإن تحكيم الرجال يرجع به الحكم لله وحده، فكذلك ما كان مثله مما فعله عليّ. ولو نظروا إلى أن محو الاسم من أمر لا يقتضي إثباته لضده، لما قالوا إنه أمير الكافرين. وهكذا المشبهة لو حققت معنى قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ في الآيات المذكورة، لفهموا بواطنها، وإن الرب منزه عن سمات المخلوقين. وعلى الجملة فكل من زاغ ومال عن الصراط المستقيم، فبمقدار ما فاته من باطن القرآن فهما وعلما. وكل من أصاب الحق وصادف الصواب فعلى مقدار ما حصل له من فهم باطنه.
٨- قاعدة في أن كل معنى مستنبط من القرآن غير جار على اللسان العربي فليس من علوم القرآن في شيء
قال الشاطبيّ: كون الظاهر هو المفهوم العربيّ مجردا، لا إشكال فيه. لأن