وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ أي رجّعي معه التسبيح ويا جِبالُ بدل من فَضْلًا أو من آتَيْنا بتقدير قولنا، أو قلنا يا جبال أوّبي معه وَالطَّيْرَ بالرفع والنصب، عطفا على لفظ الجبال ومحلها. وجوز انتصابه مفعولا معه وأن يعطف على فَضْلًا بمعنى وسخرنا له الطير. قال الزمخشري: فإن قلت أي فرق بين هذا النظم وبين أن يقال وآتينا داود منا فضلا، تأويب الجبال معه والطير؟ قلت: كم بينهما! ألا ترى ما فيه من الفخامة التي لا تخفى، من الدلالة على عزة الربوبية وكبرياء الإلهية، حيث جعلت الجبال منزّلة منزلة العقلاء الذين إذا أمرهم أطاعوا وأذعنوا، وإذا دعاهم سمعوا وأجابوا، إشعارا بأنه ما من حيوان وجماد وناطق وصامت، إلا وهو منقاد لمشيئته غير ممتنع على إرادته. انتهى. وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ أي دروعا واسعات وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ أي اقتصد في نسج الدروع لتتناسب حلقها وَاعْمَلُوا صالِحاً أي وقلنا له ولأهله ذلك إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أي فأجازيكم به.
وَلِسُلَيْمانَ أي وسخرنا له الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ أي جريها بالغداة مسيرة شهر، وجريها بالعشيّ كذلك والريح الهواء المسخر بين السماء والأرض. ويطلق بمعنى النصرة والدلالة والغلبة والقوة، كما في القاموس وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ أي النحاس المذاب، أي أجرينا له ينبوعه لكثرة ما توفر لديه منه من سعة ملكه وَمِنَ الْجِنِّ أي الشياطين الأقوياء مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ أي من رفيع المباني وإشادة القصور وغيرها بِإِذْنِ رَبِّهِ أي بأمره تعالى: وَمَنْ يَزِغْ أي يعدل مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ أي النار. ثم فصل ما ذكر من عملهم بقوله تعالى: