وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ أي فرغ من الحساب وفصل بين أهل الجنة والنار، وصار كلّ إلى ما صار إليه مخلدا فيه وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ أي وهم اليوم مستغرقون في غفلة عما يفعل بهم في الآخرة وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ أي لا يصدقون به اليوم وسيعاينونه. ثم أمر تعالى رسوله أن يتلوا عليهم نبأ إبراهيم لكونهم ينتمون إليه فيعتبروا في توحيد الخالص، فقال سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة مريم (١٩) : الآيات ٤١ الى ٤٢]
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٤١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (٤٢)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً بليغ التصديق بما يجب لله من الوحدانية والتنزيه نَبِيًّا إِذْ قالَ لِأَبِيهِ أي متلطّفا في دعوته إلى التوحيد ونهيه عن عبادة الأصنام يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً
أي فلا يدفع ضرّا ولا يجلب نفعا.
قال أبو السعود: ولقد سلك عليه السلام في دعوته أحسن منهاج، وأقوم سبيل. واحتج عليه أبدع احتجاج بحسن أدب وخلق جميل. لئلا يركب متن المكابرة والعناد. ولا ينكب، بالكلية، عن محجة الرشاد. حيث طلب منه علة عبادته لما يستخف به عقل كل عاقل، من عالم وجاهل ويأبى الركون إليه، فضلا عن عبادته التي هي الغاية القاصية من التعظيم. مع أنها لا تحق إلا لمن له الاستغناء التام، والإنعام العام. الخالق الرازق المحيي المميت المثيب المعاقب. ونبه على أن العاقل يجب أن يفعل كل ما يفعل، لداعية صحيحة وغرض صحيح. والشيء لو كان حيّا مميزا سميعا بصيرا، قادرا على النفع والضر، مطيقا بإيصال الخير والشر، لكن كان ممكنا، لاستنكف العقل السليم عن عبادته. وإن كان أشرف الخلائق. لما يراه مثله في الحاجة والانقياد للقدرة القاهرة الواجبة. فما ظنك بجماد مصنوع من حجر أو شجر، ليس له من أوصاف الأحياء عين ولا أثر؟.