فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ اعلم أن المقصود من هذه الآيات تعديد تقرير الأشياء المعروفة عند أهل الكتاب مما يدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. قطعا لعذرهم وإظهارا لعنادهم. ومن جملتها ما ذكره الله تعالى في هذه الآية. وهو أنه تعالى أخذ الميثاق من الأنبياء الذين آتاهم الكتاب والحكمة بأنهم كلما جاءهم رسول مصدق لما معهم، وإن كان ناسخا لبعض أحكامهم بما دلت الحكمة على اقتضاء الزمان ذلك، آمنوا به ونصروه أيضا، مبالغة في تشهير أمره. ولا يمنعهم ما هم فيه من العلم والنبوة واتباع شرعه ونصره. وأخبر أنهم قبلوا ذلك، وحكم بأن من رجع عن ذلك كان من الفاسقين. وقد قرئ في السبع بفتح اللام من لَما آتَيْتُكُمْ.
وكسرها، فعلى الأول هي موطئة للقسم، لأن أخذ الميثاق بمعنى الاستحلاف، وما حينئذ تحتمل الشرطية، ولَتُؤْمِنُنَّ سادّ مسد جواب القسم والشرط.
وتحتمل الموصولة بمعنى (للّذي أتيتكموه لتؤمننّ به) وعلى الثاني، أعني كسر اللام فما إما مصدرية أي لأجل إيتائي إياكم الكتاب ثم لمجيء رسول مصدق لكم غير مخالف أخذ الله الميثاق لتؤمنن به ولتنصرنه. وإما موصولة والمعنى أخذه للذي آتيتكموه، وجاءكم رسول مصدق له، وقوله تعالى: فَاشْهَدُوا. أي يا أنبياء، بعضكم على بعض، بالإقرار. وفي قوله تعالى: وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ توكيد عليهم. ومن أمعن في نهج الآية علم أن هذا الميثاق قد بولغ في شأنه غاية المبالغة، وإذا كان هذا الإيجاب مع الأنبياء، فمع أممهم أولى. وقد روي عن عليّ بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما: ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه