للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مبلغا لم يبلغه سواك، هو الذي علم الإنسان جميع ما هو متمتع به من العلم، وكان في بدء خلقه لا يعلم شيئا، فهل يستغرب من هذا المعلّم الذي ابتدأ العلم للإنسان ولم يكن سبق له علم بالمرة، أن يعلمك القراءة وعندك كثير من العلوم سواها ونفسك مستعدة بها لقبول غيرها؟؟ انتهى.

[تنبيهات:]

الأول: قال الإمام ابن القيّم في (مفتاح دار السعادة) في مباحث عجائب الإنسان وما في خلقه من الحكم: ثم تأمل نعمة الله على الإنسان بالبيانين. البيان النطقي والبيان الخطي وقد اعتد بهما سبحانه في جملة ما اعتد به من نعمة على العبد. فقال في أول سورة أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ فتأمل كيف جمع في هذه الكلمات مراتب الخلق كلها، وكيف تضمنت مراتب الوجودات الأربعة بأوجز لفظ وأوضحه وأحسنه. فذكر أولا عموم الخلق وهو إعطاء الوجود الخارجي. ثم ذكر ثانيا خصوص خلق الإنسان لأنه موضع العبرة. والآية فيه عظيمة.

ومن شهوده عما فيه محض تعدد النعم. وذكر مادة خلقه هاهنا من العلقة. وفي سائر المواضع يذكر ما هو سابق عليها. أما مادة الأصل وهو التراب والطين أو الصلصال الذي كالفخار، أو مادة الفرع وهو الماء المهين. وذكر في هذا الموضع أول مبادئ تعلق التخليق وهو العلقة. فإنه كان قبلها نطفة فأول انتقالها إنما هو إلى العلقة. ثم ذكر ثالثا التعليم بالقلم الذي هو من أعظم نعمه على عباده. إذ به تخلد العلوم وتثبت الحقوق وتعلم الوصايا وتحفظ الشهادات ويضبط حساب المعاملات الواقعة بين الناس، وبه تقيد أخبار الماضين للباقين اللاحقين. ولولا الكتابة لانقطعت أخبار بعض الأزمنة عن بعض، ودرست السنن وتخبطت الأحكام، ولم يعرف الخلف مذاهب السلف. وكان معظم الخلل الداخل على الناس في دينهم ودنياهم، إنما يعتريهم من النسيان الذي يمحور صور العلم من قلوبهم. فجعل لهم الكتاب وعاء حافظا للعلم من الضياع. كالأوعية التي تحفظ الأمتعة من الذهاب والبطلان. فنعمة الله عزّ وجلّ بتعليم القلم بعد القرآن، من أجلّ النعم. والتعليم به، وإن كان مما يخلص إليه الإنسان بالفطنة والحيلة، فإن الذي بلغ به ذلك وأوصله إليه عطية وهبها الله منه، وفضل أعطاه الله إياه، وزيادة في خلقه وفضله. فهو الذي علمه الكتابة، وإن كان هو المتعلم ففعله فعل مطاوع لتعليم الذي علم بالقلم. فإنه علمه فتعلّم. كما أنه علمه الكلام فتكلم. هذا، ومن أعطاه الذهن الذي يعي به، واللسان الذي يترجم

<<  <  ج: ص:  >  >>