ويطلق على ميل في صدر القدم، واعوجاج في الرجل، فالحنيف المستقيم على إسلامه لله تعالى، المائل عن الشرك إلى دين الله سبحانه.
ولما أثبت إسلامه بالحنيفية نفى عنه غيره بقوله وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وفيه تعريض بأهل الكتاب، وإيذان ببطلان دعواهم اتباعه عليه السلام، مع إشراكهم بقولهم: عزير ابن الله، والمسيح ابن الله، قد أفادت هذه الآية الكريمة أن ما عليه الفريقان محض ضلال وارتكاب بطلان، وأن الدين المرضيّ عند الله الإسلام، وهو دعوة الخلق على توحيده تعالى، وعبادته وحده، لا شريك له.
ولما خالف المشركون هذا الأصل العظيم بعث الله نبيه محمدا خاتم النبيين لدعوة الناس جميعا إلى هذا الأصل.
قُولُوا أي يا أيها الذين آمنوا. وفيه إظهار لمزية فضل الله عليهم حيث يلقنهم ولا يستنطقهم فيقصروا في مقالهم آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا أي من الكتاب الذي تقدم إنه الهدى وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ من الأحكام التي كانوا متعبدين بها، مما اشتملت عليه صحف أبيهم إبراهيم عليه السلام ومن الموحى إليهم خاصة. والأسباط هم أولاد يعقوب الاثنا عشر المتقدم ذكرهم. جمع سبط وهو الحافد. سموا بذلك لكونهم حفدة إبراهيم وإسحاق. وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى من التوراة والإنجيل وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ مما ذكر، وغيرهم. لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ في الإيمان فلا نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ منقادون.
وقد روى البخاريّ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال «١» : كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لا
(١) أخرجه البخاريّ في: التفسير، سورة البقرة، ١١- باب قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا.