أي (تتنزل) وهو استئناف مسوق لبيان استحالة تنزل الشياطين على رسول الله بعد امتناع تنزلهم بالقرآن تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ أي كذاب في قوله، في الكلام من وجه إلى آخر، ولا يبالي بذلك. لأنه أثيم كثير الإثم والفجور في فعله.
وحيث كان المقام النبويّ منزها عن ذلك، اتضح استحالة تنزلهم عليه.
قال القاشانيّ: لأن تنزلهم لا يكون إلا عند استعداد قبول النفوس لنزولها، بالمناسبة في الخبث والكيد والمكر والغدر والخيانة وسائر الرذائل. فمن تجرد عن صفات النفس، وترقى إلى جناب القدس، وتنورت نفسه بالأنوار الروحية ومصابيح الشهب السبوحية، وأشرق عقله بالاتصال بالعالم الأعلى، فلا يمكن للشياطين أن يتنزلوا عليه، ولا أن يتلقفوا المعارف والحقائق والشرائع. فإنهم معزولون عن استماع كلام الملكوت الأعلى، مرجومون بشهب الأنوار القدسية. وقوله تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ تقرير لقوله تعالى: وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ لأن الإفك والإثم من لوازم النفوس الكدرة الخبيثة المظلمة السفلية، المستمدة من الشياطين بالمناسبة، المستدعية لإلقائهم وتنزلهم بحسب الجنسية. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢٢٣ الى ٢٢٦]
يُلْقُونَ أي الأفّاكون السَّمْعَ أي إلى الشياطين وأوهامهم ووساوسهم وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ أي فيما يتكهنون به، وفيما يحكونه عن الشياطين. وقوله تعالى وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ استئناف مسوق لإبطال ما قالوا في حق القرآن الكريم، من أنه من قبيل الشعر، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشعراء، ببيان حال الشعراء المنافية لحاله عليه الصلاة والسلام. بعد إبطال ما قالوا إنه من قبيل ما يلقى الشياطين على الكهنة من الأباطيل، بما مرّ من بيان أحوالهم المضادّة لأحواله عليه الصلاة والسلام.
والمعنى أن الشعراء الذين يركبون المخيلات والمزخرفات من القياسات الشعرية والأكاذيب الباطلة، سواء كانت موزونة أم لا، فإنه يتبعهم (أي يجاريهم ويسلك مسلكهم، ويكون من جملتهم) الغاوون الضالون عن السنن، لا غيرهم من أهل الرشد، المهتدين إلى طريق الحق، الداعين إليه. قاله أبو السعود.
وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ استشهاد على أن الشعراء إنما