للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النصّ القرآنيّ بصيغة الأمر: فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ.

وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ بدلائل الكتاب، أي: اذكروه ذكرا حسنا كما هداكم هداية حسنة! فمفاد التشبيه التسوية في الحسن والكمال، كما تقول: اخدمه كما أكرمك، يعني: لا تتقاصر خدمتك عن إكرامه. وفيه تنبيه لهم على ما أنعم الله به عليهم من الهداية والبيان والإرشاد إلى مشاعر الحجّ! وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ أي: من قبل الهدى لَمِنَ الضَّالِّينَ الجاهلين بالإيمان والطاعة. و (إن) هي المخففة، و (اللام) هي الفارقة.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ١٩٩]]

ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩)

ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ أي: من عرفة لا من المزدلفة. وفي الخطاب وجهان:

أحدهما: أنّه لقريش. وذلك لما كانوا عليه من الترفّع على الناس والتعالي عليهم، وتعظّمهم عن أن يساووهم في الموقف، وقولهم: نحن أهل الله، وقطّان حرمه، فلا نخرج منه فيقفون بجمع، وسائر الناس بعرفات.

وقد روى البخاري «١» عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمّون الحمس، وكان سائر العرب يقفون بعرفات فلمّا جاء الإسلام أمر الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم أن يأتي عرفات، ثمّ يقف بها، ثمّ يفيض منها، فذلك قوله تعالى ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وثانيهما: أنّه أمر لجميع الناس أن يفيضوا من حيث أفاض الناس يعني:

إبراهيم عليه السلام.

قال الراغب: وسمّاه الناس لأنّ (الناس) يستعمل على ضربين: أحدهما للنوع من غير اعتبار مدح وذم، والثاني المدح اعتبارا بوجود تمام الصورة المختصة بالإنسانية، وليس ذلك في هذه اللفظة، بل في اسم كلّ جنس ونوع- نحو: هذه فرس وفلان رجل، وليس هذا بفرس ولا فلان برجل- أي: ليس فيه معناه المختصّ


(١) أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٢- سورة البقرة، ٣٥- باب ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ، حديث ٨٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>