للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمروة لأسباب متعددة فنزلت في الكلّ. والله أعلم.

وجواب عائشة، رضي الله عنها، لعروة هو من دقيق علمها وفهمها الثاقب وكبير معرفتها بدقائق الألفاظ. لأنّ الآية الكريمة إنما دلّ لفظها على رفع الجناح عمّن يطوف بهما، وليس فيه دلالة على عدم وجوب السعي ولا على وجوبه. وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ، أي: من فعل خيرا فإنّ الله يشكره عليه ويثيبه به. ومعنى (تطوّع) أتى بما في طوعه أو بالطاعة، وإطلاقه على ما لا يجب عرف فقهيّ لا لغويّ.

و (الشكر) من الله تعالى المجازاة والثناء الجميل.

قال الراغب: الشكر، كما يكون بالقول، يكون بالفعل، وعلى ذلك قوله تعالى: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً [سبأ: ١٣] قال: وليس شكر الرفيع للوضيع إلّا الإفضال عليه وقبول حمد منه.

[تنبيهات:]

الأول: تمسّك بعضهم بقوله تعالى: وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً على أنّ السعي سنّة، وأن من تركه لا شيء عليه. فإن كان مأخذه منها: إنّ التطوع التبرّع بما لا يلزم فقد قدّمنا أنه عرف فقهيّ لا لغويّ، فلا حجّة فيه. وإن كان نفي الجناح، فقد علمت المراد منه.

وممن ذهب إلى أنه سنّة، لا يجبر بتركه شيء، أنس فيما نقله ابن المنذر وعطاء. نقله ابن حجر في (الفتح) .

وقال الرازيّ: روي عن ابن الزبير ومجاهد وعطاء، أنّ من تركه فلا شيء عليه.

وأما

حديث «١» : اسعوا فإنّ الله كتب عليكم السعي رواه أحمد وغيره

، ففي إسناده عبد الله بن المؤمل، وفيه ضعف.

ومن ثمّ قال ابن المنذر: إن ثبت فهو حجّة في الوجوب. ذكره الحافظ ابن حجر في (الفتح) .

الثاني: صحّ

أنّه «٢» صلّى الله عليه وسلّم طاف بين الصفا والمروة سبعا، رواه الشيخان وغيرهما


(١)
أخرجه الإمام أحمد في المسند، جزء سادس صفحة ٤٢١. ونصه: عن حبيبة بنت أبي تجزئة قالت: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطوف بين الصفا والمروة، والناس بين يديه. وهو وراءهم وهو يسعى. حتى أرى ركبتيه من شدة السعي، يدور به إزاره، وهو يقول «اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي» .
(٢)
أخرجه البخاريّ في: الصلاة، باب قول الله، واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى. ونصه: عن عمرو

<<  <  ج: ص:  >  >>