أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ وهو أخذه العبد من حيث لا يحتسب فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ أي لا يأمن أحد أخذه تعالى العبد من حيث لا يشعر، مع كثرة ما رأى من أخذه العباد من حيث لا يحتسبون، إلا القوم الذي خسروا عقولهم، وأضاعوا فطرة الله التي فطر الناس عليها، والاستعداد القريب المستفاد من النظر في الآيات، فصاروا خاسرين إنسانيتهم، بل أخسّ من البهائم. وفي قوله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ تكرير للنكير في قوله: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى لزيادة التقرير.
قال الزمخشري: فعلى العاقل أن يكون في خوف من مكر الله، كالمحارب الذي يخاف من عدوّه الكمين، والبيات، والغيلة. وعن الربيع بن خثيم أن ابنته قالت: ما لي أرى الناس ينامون ولا أراك تنام؟ فقال: يا بنتاه! إن أباك يخاف البيات.
أراد قوله: أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً- انتهى-.
وقال الحسن البصري: المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق، وجل خائف. والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن.
[تنبيه:]
الأمن من مكر الله كبيرة عند الشافعية، وهو الاسترسال في المعاصي، اتكالا على عفو الله- كما في جمع الجوامع-.
وقال الحنفية: إنه كفر كاليأس، لقوله تعالى: إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ [يوسف: ٨٧] ، فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ.
واستدل الشافعية بحديث ابن مسعود رضي الله عنه (من الكبائر الأمن من مكر الله) . وما ورد من أنه كفر، محمول على التغليظ. كذا في (العناية) .
وروى ابن أبي حاتم والبزار عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه صلّى الله عليه وسلّم سئل:«ما الكبائر؟ فقال: الشّرك بالله، والإياس من روح الله، والأمن من مكر الله. قال بعضهم:
والأشبه أن يكون موقوفا» .
قال ابن حجر: وبكونه أكبر الكبائر، صرح ابن مسعود: كما رواه عنه عبد الرزاق والطبراني.