للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتاب الاستعاذة للإمام مفلح الحنبليّ رحمه الله تعالى.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ٣٥]]

وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥)

وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ لما خلق الله تعالى آدم عليه السلام وخلق له زوجة وأقرهما في الجنة، أباحهما الأكل منها بقوله وَكُلا مِنْها رَغَداً أي أكلا واسعا.

و «حيث» للمكان المبهم، أي أيّ مكان من الجنة شئتما. أطلق لهما الأكل من الجنة على وجه التوسعة البالغة المزيحة للعلة. حين لم يحظر عليهما بعض الأكل ولا بعض المواضع الجامعة للمأكولات من الجنة. حتى لا يبقى لهما عذر في التناول مما منعا منه بقوله وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ أي هذه الحاضرة من الشجر، أي لا تأكلا منها، وإنما علق النهي بالقربان منها، مبالغة في تحريم الأكل، ووجوب الاجتناب عنه، لأن القرب من الشيء مقتضى الألفة. والألفة داعية للمحبة. ومحبة الشيء تعمي وتصمّ. فلا يرى قبيحا، ولا يسمع نهيا، فيقع. والسبب الداعي إلى الشرّ منهيّ عنه. كما أن السبب الموصل إلى الخير مأمور به. وعلى ذلك

قوله صلّى الله عليه وسلّم «١»

«العينان تزنيان»

لما كان النظر داعيا إلى الألفة، والألفة إلى المحبة، وذلك مفض لارتكابه، فصار النظر مبدأ الزنا. وعلى هذا قوله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى [الإسراء: ٣٢] ، وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

[الأنعام: ١٥٢] .

قال ابن العربيّ: سمعت الشاشي في مجلس النظر يقول: إذا قيل: لا تقرب، بفتح الراء، كان معناه لا تتلبس بالفعل، وإذا كان بضم الراء، معناه لا تدن، نقله ابن مفلح في كتاب الاستعاذة. ونقل الفرق المذكور بينهما أيضا السيد مرتضى في شرح القاموس عن شيخه العلامة الفاسي. قال: إن أرباب الأفعال نصوا عليه، وظاهر


(١)
أخرجه الإمام أحمد في المسند. ٢/ ٣٤٣ ونصه: عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لكل بني آدم حظ من الزنى. فالعينان تزنيان وزناهما النظر. واليدان تزنيان وزناهما البطش. والرّجلان تزنيان وزناهما المشي. والفم يزني وزناه القبل. والقلب يهوى ويتمنى. والفرج يصدّق ذلك أو يكذبه»
.

<<  <  ج: ص:  >  >>