يدعون لهما الربوبية، ولا يرعوون عن ذلك، بعد ما بين لهم حقيقة خالهما بيانا لا يحوم حوله شائبة ريب، وثم لإظهار ما بين العجبين من التفاوت. أي إن بياننا للآيات أمر بديع في بابه، بالغ لأقاصي الغايات القاصية من التحقيق والإيضاح. وإعراضهم عنها- مع انتفاء ما يصححه بالمرة، وتعاضد ما يوجب قبولها- أعجب وأبدع.
قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦)
قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً هذا دليل آخر على فساد قول النصارى، والموصول كناية عن عيسى وأمه، أي: لا يستطيعان أن يضراكم بمثل ما يضركم به الله من البلايا والمصائب في الأنفس والأموال. ولا أن ينفعاكم بمثل ما ينفعكم به من صحة الأبدان والسعة والخصب. ولأن كل ما يستطيعه البشر من المضار والمنافع، فبإقدار الله وتمكينه، فكأنهما لا يملكان منه شيئا. وإيثار (ما) على (من) لتحقيق ما هو المراد من كونهما بمعزل من الألوهية رأسا. ببيان انتظامهما في سلك الأشياء التي لا قدرة لها على شيء أصلا أي: وصفة الرب أن يكون قادرا على كل شيء لا يخرج مقدور عن قدرته. وإنما قدم (الضر) لأن التحرز عنه أهم من تحري النفع. وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ بالأقوال والعقائد. فيجازي عليها إن خيرا فخير وإن شرا فشر، فهو وعد ووعيد.
[تنبيهات:]
الأول. جعل ابن كثير الخطاب في قوله تعالى أَتَعْبُدُونَ عامّا للنصارى وغيرهم، أي قل لهؤلاء العابدين غير الله من سائر فرق بني آدم.
وفي (تنوير المقباس) أن (ما) عبارة عن الأصنام خاصة.
وكلاهما مما يأباه السباق والسياق.
الثاني: قال في (فتح البيان) : إذا كان هذا في حق عيسى النبيّ، فما ظنك بوليّ من الأولياء؟ فإنه أولى بذلك.
الثالث: جعل أكثر المفسرين (ما) كناية عن عيسى عليه السلام فقط، والمقام أنها كناية عنه وعن أمه عليهما السلام، كما أوضحه المهايميّ واعتمدناه.
الرابع: دلت الآية على جواز الحجاج في الدين فإن كان مع الكفار وأهل