للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي سابغة الذيل، كلها من هذا النفس البديع.

واعلم أنه تعالى لما ذكر فضائح اليهود وقبائح أفعالهم. وشرح أنهم قصدوا قتل عيسى عليه السلام، وبين أنه ما حصل لهم ذلك المقصود، وأنه حصل لعيسى أعظم المناصب وأجلّ المراتب- بيّن تعالى تحقيق ما أثبته في الآية السابقة، من القطع بكذبهم. مثبتا أنهم في مبالغتهم في عداوته، سيكونون من أتباعه المصدقين بجميع أمره، الذي منه التصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم. مؤكدا له أشد تأكيد لما عندهم من الإنكار له، بقوله:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٥٩]]

وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (١٥٩)

وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ أي: ما أحد من أهل الكتاب يدرك نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان، إلا ليؤمنن به قبل موته. أي: موت عيسى عليه السلام. أي: لا يموت حتى ينزل في آخر الزمان يؤيد الله به دين الإسلام. حتى يدخل فيه جميع أهل الملل. إشارة إلى أن موسى عليه السلام، إن كان قد أيده الله تعالى بأنبياء كانوا يجددون دينه زمانا طويلا، فالنبيّ الذي ينسخ شريعة موسى، وهو عيسى عليهما السلام، هو الذي يؤيد الله به هذا النبيّ العربيّ، في تجديد شريعته، وتمهيد أمره، والذود عن دينه. ويكون من أمته بعد أن كان صاحب شريعة مستقلة، وأتباع مستكثرة. أمر قضاه الله تعالى في الأزل. فاقصروا أيها اليهود. فمعنى الآية إذن، والله أعلم: إنه ما من أحد من أهل الكتاب المختلفين في عيسى عليه السلام على شك، إلا وهو يوقن بعيسى عليه السلام قبل موته، بعد نزوله من السماء، أنه ما قتل وما صلب. ويؤمن به عند زوال الشبهة أفاده البقاعي.

روى البخاريّ «١» عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده! ليوشكنّ أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خيرا له من الدنيا وما فيها. ثم يقول أبو هريرة: واقرءوا إن شئتم:


(١) أخرجه البخاري في: الأنبياء، ٤٩- باب نزول عيسى ابن مريم عليه السلام، حديث ١١١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>