للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ٢٢٣]]

نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٢٢٣)

نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ، روى الشيخان «١» عن جابر قال:

كانت اليهود تقول: إذا أتيت المرأة من دبرها في قبلها ثمّ حملت كان ولدها أحول.

قال: فأنزلت: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ.

وعند مسلم عن الزهريّ: إن شاء مجبّية، وإن شاء غير مجبية، غير أنّ ذلك في صمام واحد.

قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : هذه الزيادة يشبه أن تكون من تفسير الزهريّ، لخلوّها من رواية غيره من أصحاب ابن المنكدر، مع كثرتهم.

و (المجبّية) كملبّية: المنكبّة على وجهها، و (الصمام الواحد) : الفرج، وقوله تعالى: حَرْثٌ لَكُمْ، الحرث: إلقاء البذر في الأرض، هذا أصله والكلام إما بحذف المضاف، أي مواضع حرث، أو المصدر بمعنى المفعول أي: محروثات.

وإنما شبّهن لما بين ما يلقى في أرحامهن وبين البذور من المشابهة. من حيث إنّ كلّا منهما مادة لما يحصل منه. ولمّا عبّر تعالى عنهنّ بالحرث عبّر عن مجامعتهن بالإتيان كما تقدّم، فقال: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ، أي: فأتوهنّ كما تأتون أراضيكم التي تريدون أن تحرثوها من أيّ جهة شئتم، لا تخطر عليكم جهة دون جهة. والمعنى: جامعوهن من أيّ جهة شئتم ولا تبالوا بقول اليهود. وفي تخصيص (الحرث) بالذكر تعميم جميع الكيفيات الموصلة إليه.

قال الزمخشريّ: وقوله تعالى: هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ- مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ- فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ. من الكنايات اللطيفة، والتعريضات المستحسنة. وهذه وأشباهها في كلام الله آداب حسنة، على المؤمنين أن يتعلموها، ويتأدّبوا بها، ويتكلّفوا مثلها في محاورتهم ومكاتبتهم.

وقد ورد- في سبب نزول هذه الآية- رواية أخرى أخرجها أبو داود «٢» والحاكم


(١) أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٢- سورة البقرة، ٣٩- باب نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ ... الآية، حديث ١٩٧٧.
ومسلم في: النكاح، حديث ١١٧.
(٢) أخرجه أبو داود في: النكاح، ٤٥- باب في جامع النكاح، حديث ٢١٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>