وفي أي الطرق يسير إلى أن يصل إلينا؟ فيمر عليه شهر وشهران فيذبل زرعه وتبور أرضه.! ذلك مثل من يقرأ القرآن ويجعل جل عنايته تطبيقه على كلام المؤرخين أو قواعد النحويين أو الصرفيين وعلماء البلاغة فحسب! اللهم إلا قدرا يسيرا للفهم! وهذا- لعمر الله- انتكاس على الرأس، واتخاذ الوسيلة مقصدا، كمثل من أراد الحج فجعل همته إعداد الذخائر سنين فاختطفته المنون وفارق الحياة ولم يحج! ذلك مثلهم.!! انتهى.
[المبحث الثاني:]
احتج من جوز المعصية على الأنبياء- وهم الكرّاميّة والباقلّانيّ- بما جرى من إخوة يوسف وبيعهم أخاهم وكذبهم لأبيهم، وبما وقع من يوسف نفسه من أخذه أخاه وإيحاشه أباه.
قال الإمام أبو محمد بن حزم رحمه الله في (الملل والنحل) :
ما احتجوا به لا حجة فيه: لأن إخوة يوسف، عليه السلام، لم يكونوا أنبياء، ولا جاء قط- في أنهم أنبياء- نصّ لا من قرآن، ولا من سنة صحيحة، ولا من إجماع، ولا من قول أحد من الصحابة رضي الله عنهم! فأما يوسف عليه السلام فرسول الله بنص القرآن، قال عز وجل: وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ.. إلى قوله- مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا [غافر: ٣٤] ، وأما إخوته فأفعالهم تشهد بأنهم لم يكونوا متورعين عن العظائم، فكيف أن يكونوا أنبياء! ولكن الرسولين- أباهم وأخاهم- قد استغفرا لهم وأسقطا التثريب عنهم! وبرهان ما ذكرنا- من كذب من يزعم أنهم كانوا أنبياء- قول الله تعالى حاكيا عن الرسول أخيهم أنه قال لهم: أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً [يوسف: ٧٧] ، ولا يجوز البتة أن يقوله لنبي من الأنبياء نعم، ولا لقوم صالحين!، إذ توقير الأنبياء فرض على جميع الناس، لأن الصالحين ليسوا شرّا مكانا! وقد عقّ ابن نوح أباه بأكثر مما عقّ به إخوة يوسف أباهم، إلّا أن إخوة يوسف لم يكفروا. ولا يحلّ لمسلم أن يدخل في الأنبياء من لم يأت نصّ ولا إجماع أو نقل كافة بصحة نبوّته! ولا فرق بين التصديق بنبوّة من ليس نبيّا، وبين التكذيب بنبوّة من صحّت نبوّته منهم! فإن ذكروا في ذلك ما روي عن بعض الصحابة رضي الله عنهم وهو زيد بن أرقم:(إنما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا نبيّ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولاد الأنبياء أنبياء!) فهذه غفلة شديدة وزلة عالم، من وجوه: