مهيمنا عليها. أو متناهيا في الاستقامة والاعتدال. فيكون تأكيدا لما دل عليه نفي العوج. مع إفادة كون ذلك من صفاته الذاتية اللازمة له، حسبما تنبئ عنه الصيغة.
وانتصابه بمضمر تقديره (جعله) كما ذكرنا. على أنه جملة مستأنفة. وفيه وجوه أخر.
[تنبيه:]
ذهب القاشانيّ أن الضمير في (له) وما بعده لقوله: عَبْدِهِ قال: أي لم يجعل لعبده زيغا وميلا. وجعله قيّما، يعني مستقيما، كما أمر بقوله فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ [هود: ١١٢] ، أو قيّما بأمر العباد وهدايتهم، إذ التكميل يترتب على الكمال. لأنه، عليه الصلاة والسلام، لما فرغ من تقويم نفسه وتزكيتها، أقيمت نفوس أمته مقام نفسه. فأمر بتقويمها وتزكيتها. ولهذا المعنى سمي إبراهيم، صلوات الله عليه، أمة. وهذه القيّميّة أي القيام بهداية الناس، داخلة في الاستقامة المأمور هو بها في الحقيقة، انتهى.
والأظهر الوجه الأول.
وقوله تعالى لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ أي لينذر من خالفه ولم يؤمن به، عذابا شديدا عاجلا أو آجلا. و (البأس) : القهر والعذاب، وخصصه بقوله مِنْ لَدُنْهُ إشارة إلى زيادة هوله. ولذلك عظمه بالتنكير. متعلق ب (أنزل) أو بعامل (قيما) وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ أي به. وقال القاشاني: أي الموحدين، لكونهم في مقابلة المشركين، الذين قالوا اتخذ الله ولدا. وقوله تعالى: الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أي من الخيرات والفضائل أَنَّ لَهُمْ أي بأن لهم، بمقابلة إيمانهم وأعمالهم المذكورة أَجْراً حَسَناً وهو الجنة ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً.
وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً وهم مشركو العرب في قولهم (الملائكة بنات الله) والنصارى في (دعواهم المسيح ابن الله) وخصهم بالذكر، وكرر الإنذار متعلقا بهم، استعظاما لكفرهم. وترك إجراء الموصول على الموصوف كما فعل في قوله تعالى وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ للإيذان بكفاية ما في حيز الصلة، في الكفر على أقبح الوجوه.