للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن ذلك واعتزلتهم. وفرقة سكتت فلم تفعل ولم تنه، ولكنها قالت للمنكرة: لم تنهون هؤلاء، وقد علمتم أنهم قد هلكوا واستحقوا العقوبة من الله فلا فائدة في نهيكم إياهم؟ فأجابتها المنكرة: بأنا نفعل ذلك اعتذارا إلى ربنا فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ثم نص الله على نجاة الناهين، وهلاك الظالمين.

وقال ابن كثير: وسكت عن الساكتين، لأن الجزاء من جنس العمل، فهم لا يستحقون مدحا فيمدحوا ولا ارتكبوا عظيما فيذموا، ومع هذا فقد اختلف الأئمة فيهم: هل كانوا من الهالكين، أو من الناجين؟ على قولين. ويروى أن ابن عباس كان توقف فيهم، ثم صار إلى نجاتهم، لما قال له غلامه عكرمة: ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه، وخالفوهم، وقالوا: لم تعظون قوما الله مهلكهم؟ فكساه حلة.

الرابع- دل قوله تعالى: قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ على أن النهي عن المنكر لا يسقط، ولو علم المنكر عدم الفائدة فيه. إذ ليس من شرطه حصول الامتثال عنه، ولو لم يكن فيه إلا القيام بركن عظيم من أركان الدين، والغيرة على حدود الله، والاعتذار إليه تعالى، إذ شدد في تركه- لكفاه فائدة.

ولما ذكر تعالى بعض مساوئ اليهود، تأثره ببيان. أنه حكم عليهم بالذل والصغار إلى يوم القيامة فقال سبحانه:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأعراف (٧) : آية ١٦٧]]

وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٧)

وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ أي آذن، (كتوعد بمعنى أوعد) . من (الإيذان) بمعنى (الإعلام) أجري مجرى فعل القسم، كعلم الله، وشهد الله. ولذلك أجيب بما يجاب به القسم، وهو قوله: لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ والمعنى: وإذ حتم ربك وحكم، ليسلطن على اليهود إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ كالإذلال وضرب الجزية وغير ذلك، بسبب عصيانهم ومخالفتهم أوامر الله وشرعه، واحتيالهم على المحارم. وقد بعث الله تعالى، بعد سليمان عليه السلام، بختنصر مالك بابل، فخرب ديارهم، وقتل مقاتلتهم، وسبى نساءهم وذراريهم، وضرب الجزية على من بقي منهم، وجلا كثيرا منهم إلى بابل- قصبة ممكلته- وأقاموا فيها سبعين سنة، ثم تسلطت عليهم ملوك شتى، ولبثوا زمانا طويلا يكابدون بلاء عنيفا، من تواتر

<<  <  ج: ص:  >  >>