وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أي لا ملائكة من أهل السماء. ردّ لقول المشركين: لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً [فصلت: ١٤] ، وهذا كقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ [الفرقان: ٢٠] ، وقوله: وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ [الأنبياء: ٨] . وقوله: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: ٩] الآية.
واحتج بقوله تعالى: إِلَّا رِجالًا على أنه لم ينتظم في سلك النبوّة امرأة.
والقرى: جمع قرية، وهي على ما في (القاموس) : المصر الجامع، وفي (كفاية المتحفظ) : القرية كل مكان اتصلت به الأبنية، واتخذ قرارا، وتقع على المدن وغيرهما. انتهى.
قال ابن كثير: والمراد بالقرى هنا المدن. أي: لا أنهم من أهل البوادي الذين هم أجفى الناس طباعا وأخلاقا. وهذا هو المعهود المعروف: أن أهل المدن أرقّ طباعا، وألطف من أهل بواديهم. وأهل الريف والسواد أقرب حالا من الذين يسكنون في البوادي. ولهذا قال تعالى: الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً ... الآية [التوبة: ٩٧] .
قال قتادة: إنما كانوا من أهل القرى لأنهم أعلم وأحلم من أهل العمور.
وقوله تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا أي: هؤلاء المكذّبون، فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا أي نظر تفكّر. كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي: من الأمم المكذّبة. كقوله تعالى:
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها ... الآية [الحج: ٤٦] ، فإذا استمعوا خبر ذلك، رأوا أن الله أهلك الكافرين، ونجى المؤمنين. وهذه كانت سنته تعالى في خلقه، ولهذا قال تعالى: وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أي: الشرك والفواحش، وآمنوا بالله ورسله وكتبه.
قال ابن كثير: أي وكما نجينا المؤمنين في الدنيا، كذلك كتبنا لهم النجاة في