[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنبياء (٢١) : آية ٩٢]]
إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢)
إِنَّ هذِهِ أي علة التوحيد والاستسلام لمعبود واحد لا شريك له أُمَّتُكُمْ أي ملتكم التي يجب أن تحافظوا على حدودها وتراعوا حقوقها. والخطاب للناس كافة أُمَّةً واحِدَةً أي غير مختلفة. بل هي ملة واحدة. أي أن جميع الأنبياء ورسل الله على ملة واحدة ودين واحد. كما قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران:
١٩] ، وَأَنَا رَبُّكُمْ أي لا إله لكم غيري فَاعْبُدُونِ أي ولا تشركوا بي شيئا.
[تنبيه:]
قلنا: إن الأمة هنا بمعنى الملة، وهو الدين المجتمع عليه، كما في قوله إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ [الزخرف: ٢٣] ، أي على دين يجتمع عليه. والأمة بهذا المعنى هو ما رجحه كثير من المفسرين في هذه الآية، وفي آية يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ [المؤمنون: ٥١- ٥٢] ، وتطلق (الأمة) بمعنى الجماعة. كما هي في قوله تعالى: وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ أي جماعة. [الأعراف:
١٨١] . وكما في قوله: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران: ١٠٤] ، ولا تكون بمعنى الجماعة مطلقا، وإنما هي بمعنى الجماعة الذين تربطهم رابطة اجتماع، يعتبرون بها واحدا، وتسوغ أن يطلق عليهم اسم واحد كاسم الأمة. وتطلق الأمة بمعنى السنين كما في قوله تعالى:
وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ [هود: ٨] ، وفي قوله وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [يوسف: ٤٥] ، وبمعنى الإمام الذي يقتدى به، كما في قوله: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ [النحل: ١٢٠] ، وبمعنى إحدى الأمم المعروفة كما في قوله:
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران: ١١٠] ، وهذا المعنى الأخير لا يخرج عن معنى الجماعة، على ما ذكرنا. وإنما خصصه العرف تخصيصا. كذا حققه العلامة محمد عبده رحمه الله في تفسير آية كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً [البقرة: ٢١٣] .
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنبياء (٢١) : آية ٩٣]]
وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (٩٣)
وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ، كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ أي تفرق الناس في دينهم الذي