يقاتل الرسول ولا أصحابه. لأنه يخاف الله تعالى فيه. ولا يقاتل الكفار أيضا، لأنهم أقاربه. أو لأنه أبقى أولاده وأزواجه بينهم. فيخاف، لو قاتلهم، أن يقتلوا أولادهم وأصحابه. فهذان الفريقان من المسلمين لا يحل قتالهم. وإن كان لم يوجد منهم الهجرة ولا مقاتلة الكفار. انتهى.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٩١]]
سَتَجِدُونَ أقواما آخَرِينَ يُرِيدُونَ بإظهار الإسلام لكم أَنْ يَأْمَنُوكُمْ أي: على أنفسهم وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ بإظهار الكفر كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أي: دعوا إلى الارتداد والشرك أُرْكِسُوا فِيها أي: رجعوا إليها منكوسين على رؤوسهم فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ أي يتنحوا عنكم جانبا، بأن لم يكونوا معكم ولا عليكم. وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ أي: ولم يلقوا الانقياد وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ أي: عن قتالكم فَخُذُوهُمْ أي: اتّسروهم وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ أي: وجدتموهم في داركم أو دارهم وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً أي: حجة واضحة في الإيقاع بهم قتلا وسبيا. لظهور عداوتهم وانكشاف حالهم في الكفر والغدر، وإضرارهم بأهل الإسلام.
أو تسلطا ظاهرا، حيث أذنّا لكم في أخذهم وقتلهم.
[تنبيهان:]
الأول- قال ابن كثير: هؤلاء الآخرون، في الصورة الظاهرة، كمن تقدمهم.
ولكن نية هؤلاء غير نية أولئك. فإن هؤلاء قوم منافقون يظهرون للنبيّ صلى الله عليه وسلم ولأصحابه الإسلام، ليأمنوا بذلك عندهم على دمائهم وأموالهم وذراريّهم. ويصانعون الكفار في الباطن. فيعبدون معهم ما يعبدون، ليأمنوا بذلك عندهم. وهم في الباطن مع أولئك.
كما قال تعالى: وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ [البقرة: ١٤] الآية.
وحكى ابن جرير «١» عن مجاهد أنها نزلت في قوم من أهل مكة. كانوا يأتون النبيّ صلى الله عليه وسلم فيسلمون رياء. ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون في الأوثان. يبتغون بذلك أن يأمنوا هاهنا وهاهنا. فأمر بقتلهم إن لم يعتزلوا ويصلحوا.