شيئا ثم تبادروا فيه وأسرفوا، فنزلت وَلا تُسْرِفُوا. وقال ابن جريج: نزلت في ثابت ابن قيس بن شماس. جدّ نخلا له فقال: لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته، فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة، فنزلت. ولذا قال السدّي: أي: لا تعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء. وإما في الأكل قبل الحصاد، وهذا عن أبي مسلم قال: ولا تسرفوا في الأكل قبل الحصاد كيلا يؤدي إلى بخس حق الفقراء. وإما في كل شيء، قال عطاء: نهوا عن السرف في كل شيء. وقال إياس بن معاوية: ما جاوزت به أمر الله، فهو سرف.
اختار ابن جرير قول عطاء. قال ابن كثير: ولا شك أنه صحيح، لكن الظاهر- والله أعلم- من سياق الآية، حيث قال تعالى كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ أن يكون عائدا على الأكل. أي: لا تسرفوا في الأكل، لما فيه من مضرة العقل والبدن، كقوله تعالى كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا ... [الأعراف: ٣١] الآية.
وفي صحيح البخاري «١» تعليقا: كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير إسراف ولا مخيلة. وهذا من هذا- والله أعلم- انتهى.
وقد جنح إلى هذا المهايمي في تفسيره حيث قال: ولا تسرفوا في أكلها لئلا يبطل، باستيفاء الشهوات، معنى المزرعة.
ثم بيّن تعالى حال الأنعام، وأبطل ما تقوّلوا عليه في شأنها بالتحريم والتحليل، بقوله:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (٦) : آية ١٤٢]]
وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٤٢)
وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً أي: وأنشأ لكم من الأنعام ما يحمل الأثقال، وما يفرش للذبح (أي: يضجع) أو ينسج من وبره وصوفه وشعره الفرش.
وعن ابن عباس: الحمولة الكبار التي تصلح للحمل، والفرش الصغير كالفصلان والعجاجيل والغنم لأنها دانية من الأرض، للطافة أجرامها، مثل الفرش المفروش عليها. فعلى الوجهين الأولين: الفرش بمعنى المفروش، وعلى الثالث:
الكلام على التشبيه.
كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ أي: من الثمار والزروع والأنعام، لحفظ الروح، واستزادة القوة.
وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ أي: أوامره في التحليل والتحريم، كما اتبعها
(١) أخرجه البخاري في: اللباس، ١- باب قوله تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ.