اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ قال القاضي: أثبت له تعالى لوازم الألوهية، ونفاها رأسا عما اتخذوه شركاء له من الأصنام وغيرها. مؤكدا بالإنكار على ما دل عليه البرهان والعيان، ووقع عليه الوفاق. ثم استنتج من ذلك تقدسه عن أن يكون له شركاء. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الروم (٣٠) : الآيات ٤١ الى ٤٣]
ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أي كثرة المضار والمعاصي على وجه الأرض وعلى ظهر السفن في لجج البحر بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ أي من الآثام والموبقات ففشا الفساد وانتشرت عدواه وتوارثه جيل عن جيل أينما حلوا وحيثما ساروا لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ اللام للعاقبة. أي ظهور الشرور بسببهم، مما استوجبوا به أن يذيقهم الله وبال أعمالهم، إرادة الرجوع. وقيل اللام للعلة، على معنى أن ظهور الجدب والقحط والغرق بسبب شؤم معاصيهم، ليذيقهم وبال بعض أعمالهم في الدنيا، قبل أن يعاقبهم بجميعها في الآخرة، لعلهم يرجعون عما هم عليه. كقوله تعالى: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:
٣٠] ، قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ أي فأذاقهم سبحانه سوء العاقبة، لشركهم المستتبع لكل إثم وعصيان فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ أي لا يقدر أحد على ردّه.
وقوله مِنَ اللَّهِ متعلق ب (يأتي) أو ب (مردّ) لأنه مصدر على معنى لا يرده تعالى، لتعلق إرادته بمجيئه. وفيه انتفاء رد غيره بطريق برهانيّ. وقيل عليه، لو كان كذلك لزم تنوينه لمشابهته للمضاف. وأجيب بأن الشبيه بالمضاف قد يحمل في ترك تنوينه. كما في الحديث (لا مانع لما أعطيت) يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ أي يتفرقون كالفراش المبثوث، أو فريق في الجنة وفريق في السعير كقوله: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ [الروم: ١٤] .