ذلِكَ أي المدبر عالِمُ الْغَيْبِ أي ما غاب عن العباد وما يكون وَالشَّهادَةِ أي ما علمه العباد وما كان الْعَزِيزُ أي الغالب على أمره الرَّحِيمُ أي بالعباد في تدبره الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ أي أحكم خلق كل شيء. لأنه ما من شيء خلقه إلا وهو مرتب على ما اقتضته الحكمة وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ يعني آدم مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ أي ذريته مِنْ سُلالَةٍ أي من نطفة مِنْ ماءٍ مَهِينٍ أي ضعيف ممتهن. والسلالة الخلاصة. وأصلها ما يسلّ ويخلص بالتصفية ثُمَّ سَوَّاهُ أي قوّمه في بطن أمه وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ أي جعل الروح فيه، وأضافه إلى نفسه تشريفا له وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ أي خلق لكم هذه المشاعر، لتدركوا بها الحق والهدى قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ أي بأن تصرفوها إلى ما خلقت له.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة السجده (٣٢) : الآيات ١٠ الى ١٢]
وَقالُوا أي كفار مكة أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أي صرنا ترابا مخلوطا بتراب الأرض لا نتميز منه، أو غبنا فيها أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أي نجدد بعد الموت بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ أي بالبعث بعد الموت للجزاء والحساب كافِرُونَ أي جاحدون.
قال أبو السعود: إضراب وانتقال من بيان كفرهم بالبعث، إلى بيان ما هو أبلغ وأشنع منه، وهو كفرهم بالوصول إلى العاقبة، وما يلقونه فيها من الأحوال والأهوال جميعا قُلْ أي بيانا للحق وردّا على زعمهم الباطل يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ أي يقبض أرواحكم ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ أي بالبعث للحساب والجزاء.