للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يحدث بكل ما يسمع» .

وعند أبي داود «١» والحاكم عنه: كفى بالمرء إثما. ورواه الحاكم أيضا عن أبي أمامة.

هذا، ونقل الرازيّ وجها آخر في الموصول. وهو أن المعنيّ به طائفة من أولي الأمر. قال: والتقدير: ولو أن المنافقين ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر لكان علمه حاصلا عند من يستنبط هذه الوقائع من أولي الأمر. وذلك لأن أولي الأمر فريقان:

بعضهم من يكون مستنبطا وبعضهم من لا يكون كذلك. فقوله (منهم) يعني لعلمه الذين يستنبطون المخفيات من طوائف أولي الأمر. فإن قيل: إذا كان الذين أمرهم الله برد هذه الأخبار إلى الرسول وإلى أولي الأمر هم المنافقون، فكيف جعل أولي الأمر منهم في قوله وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ؟ قلنا: إنما جعل أولي الأمر منهم على حسب الظاهر. لأن المنافقين يظهرون من أنفسهم أنهم يؤمنون. ونظيره قوله تعالى:

وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ [النساء: ٧٢] . وقوله: ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ.

انتهى.

وعلى هذا الوجه يحمل قول السيوطيّ في (الإكليل) : قوله تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ ... الآية، هذا أصل عظيم في الاستنباط والاجتهاد. وقول المهايميّ: فلو وجدوا في القرآن ما يوهم الاختلاف، لوجب عليهم استفسار الرسول والعلماء الذين هم أولو الأمر، ليعلمهم منهم المجتهدون في استنباط وجوه التوفيق. وقال بعض الإمامية: ثمرة الآية أنه يجب كتم ما يضر إظهاره المسلمين. وأن إذاعته قبيحة. وأنه لا يخبر بما لم يعرف صحته. وتدل على تحريم الإرجاف على المسلمين. وعلى أنه يلزم الرجوع إلى العلماء في الفتيا. وتدل على صحة القياس والاجتهاد. لأنه استنباط.

انتهى.

[تنبيه:]

ما نقله الزمخشريّ وتبعه البيضاويّ وأبو السعود وغيرهم، من أن قوله تعالى وَإِذا جاءَهُمْ عنى به طائفة من ضعفة المسلمين- فإن أرادوا بالضعفة المنافقين، فصحيح. وإلا فبعيد غاية البعد كما يعلم من سباق الآية وسياقها. وكذا ما نوعوه من الأقوال في معناه. فكله لم يصب المرمى. والذي يعطيه الذوق السليم في الآية هو الوجه الأول. ولها إشعار بالوجه الثاني لا تأباه. فتبصر ولا تكن أسير التقليد.


(١) أخرجه أبو داود في: الأدب، ٨٠- باب في التشديد في الكذب، حديث ٤٩٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>